تخفيف إجراءات التعبئة لا يعني السيطرة التامة والنهائية على الكورونا، وإن كانت السيطرة عليه مقبولة نسبيا، بل جاء نتيجة صرخات النزع الأخير للمؤسسات التجارية على اختلافها، واستجابة من الحكومة لصرخات الناس الذين بدأ الجوع يدق أبوابهم، بعدما فرغت جيوبهم ومعاجنهم ولم يبق على خميرهم ذرة طحين.
لكن الانفلاش الشعبي على الطرقات بدءا من الغد، يجب ألا تقرأه الحكومة على أنه دليل ازدهار، فتقيم احتفالات النصر المزدوج على الجائحة، وعلى الأزمة الاقتصادية- المالية- الاجتماعية، التي كانت بدأت في السابع عشر من تشرين، وجاء الكورونا ليفاقم الازمة.
بكلام آخر، على حكومة حسان دياب وعرابيها أن يعوا تمام الوعي، بأن الناس لم ينسوا ولم يسامحوا ولن يقبلوا بأن يكون ما بعد الكورونا كما كان الوضع قبل الكورونا. وبكلام أكثر وضوحا، اللبنانيون يرفضون رفضا قاطعا المئة في المئة من الأقاويل والانتصارات الواهية التي وردت في خطاب المئة يوم، وهم إذا مانوا على عقولهم في الفترة السابقة، فمنحوا الحكومة فترة سماح غير مستحقة، فإنهم هذه المرة لن يمونوا على بطونهم الخاوية وجيوبهم الفارغة، بعدما دفنوا وأرزاقهم وأموالهم أحياء تحت خط الفقر، ولا يراهن أحد على أن اللبنانيين أكثر حضارة وانضباطا من الأميركيين، وبأن الجيش والقوى الأمنية رهن إشارة الحاكم لقمع الناس.
في أي حال، يجب أن تضع الحكومة في حسابها أن يوم الاثنين سيظهر صورة الوضع المأسوي الذي انحدرت إليه البلاد، إذ أن عددا كبيرا من المؤسسات لن يفتح أبوابه ليس لأنه محجور بل لأنه مكسور، كما أن عددا كبيرا من الموظفين والعمال لن يعودوا إلى وظائفهم وأشغالهم ليس لأنهم محجورون بل لأنهم مصروفون.
إنطلاقا مما تقدم، على الحكم والحكومة ألا يصنفا هذا الكلام في خانة الزجليات والمراجل، فهو لسان حال الناس المنتفضين على مساحة الوطن، وقد تواصلوا وتعاقدوا على العودة إلى الشوارع والساحات مهما كان الثمن. والنصيحة أن يكون الرد عليهم بالعمل الحكومي المجدي والواقعي، وليس بالقمع وتحريك شوارع السلطة في مواجهة شوارع الناس.
لكن لن نتأمل أن ينتج العوسج تينا، فتصوب الحكومة المسار وتدوزن أداءها على مطالب الناس، بل بالعكس، فإن أركانها لا يزالون على خلافاتهم وفجعهم على التعيينات، والخلافات ليست على تعيين الأجدر من الموظفين بل لإيصال الأكثر خضوعا وطواعية. هذا الأداء أكد ويؤكد لصندوق النقد ولكل الدول الصديقة، أن القيمين على مصالح الوطن أصغر من الأزمات، بل هم سببها، من دون أن ننسى انكشاف الواقع السيادي المأزوم والتبعية العمياء للسلطة ل”حزب الله” الذي يسوقها شرقا. فمن أين سيأتينا المال والمساعدات؟.