هل أسقط مشهد السادس من حزيران 2020 مشهد السابع عشر من تشرين الأول 2019؟، وهل خنق تحرك ساحة الشهداء، أمس، روح الثورة الشعبية التي انطلقت في الخريف الفائت ومن ساحة الشهداء بالذات؟.
إصدار حكم نهائي ليس سهلا، وخصوصا أننا لا نزال في قلب الحدث وتطوراته المتسارعة. لكن الواقع يفرض الاعتراف أن ما حصل السبت في أنحاء مختلفة من بيروت، لم يكن مشرفا للبنان و للبنانيين، وخصوصا أنه يناقض تماما المبادىء غير الطائفية وغير المذهبية التي تحرك الثورة.
طبعا الحق في ما حصل لا يقع فقط على أركان الثورة. فهناك أولا الأجهزة الاستخباراتية، والغرف السوداء التي عملت بكد وجد طوال الأسبوع لاختراق الثورة من الداخل، وبعثرة قواها الحية. والحق يقع ثانيا على بعض من أهل الثورة الذين “شطحوا” في الشعارات ورفعوا سقوف الأهداف. والحق ثالثا على القوى الحزبية التي لم تتحمل رفع شعار القرار 1559، فنزلت إلى الشارع بل إلى الشوارع بشعارات طائفية- مذهبية وبالسلاح أحيانا، ما كاد يودي بالبلد إلى جحيم الحرب الأهلية من جديد.
لكن المسؤولية الكبرى تبقى على الثوار، فمن ينتظر منه الكثير يطلب منه الكثير. وبعد مرور ثمانية أشهر تقريبا على انطلاقة ثورة تشرين، صار مطلوبا من الثوار أن ينظموا صفوفهم. والتنظيم هنا لا يعني بتاتا اختيار أو انتخاب قائد للثورة، فزمن القيادات الآحادية انتهى، وفي بدايات القرن الحادي والعشرين لا يجوزالعودة إلى زمن عبادة الشخص وعصمة القائد. وعليه، ما الذي يمنع تشكيل مجلس جماعي للقيادة يتولى التخطيط والتنفيذ، فلا تبقى الثورة رهينة عدم التخطيط المسبق، بل رهينة الانجرار إلى الفوضى حينا، والعنف حينا آخر؟. والأهم: ما الذي يمنع التقاء معظم قوى الثورة، حتى لا نقول كلها، حول برنامج مرحلي واقعي وأهداف آنية واضحة، فلا يتحول كل تحرك فورة لا متناهية من الشعارات والأهداف الصعبة بل المستحيلة التحقيق؟.
إن ثورة تشرين هي لجميع اللبنانيين، وهي قادرة إذا عمل أهلها بجد أن تحدد مستقبلهم وأن ترسم طريق الخلاص. فهل يكون المسؤولون عنها على قدر المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم، أم سنهدر كلبنانيين فرصة جديدة، علما أن إهدارها هذه المرة سيهدر ما تبقى لنا من أمل، وسيضيع ما تبقى من مقومات الوطن؟.