صدقوا أو لا تصدقوا: لبنان أصبح تحت رحمة بعض ركاب ال”موتسكيلات”، وتحت رحمة المخربين! ليل أمس بدت الصورة في العاصمة فاقعة وحزينة في آن. مجموعة من الفتية الموجهين من بعد، وبالخلوي بدلا من ال”ريموت كونترول”، توجهوا بدراجاتهم النارية صوب وسط بيروت وانتشروا فيه ليوزعوا الدمار والخراب.
لأكثر من ساعتين، وتحديدا من العاشرة إلى ما بعد منتصف الليل بقليل، تحرك المخربون كما يشاؤون، وفعلوا ما يشاؤون. ضربوا هيبة الدولة، والدولة لم تتدخل! شوهوا قلب بيروت، والحكومة غائبة عن السمع. استباحوا المحال التجارية، والقوى الشرعية لا تدافع لا عن الناس ولا عن الملكية الفردية. أشعلوا كل الحساسيات المذهبية وحركوا كل الغرائز الطائفية، وأركان السلطة يغطون في نومهم العميق. فهل أصبحت الدويلة أقوى من الدولة، أم أن الدويلة سيطرت نهائيا على الدولة بحيث صارت هي الدولة الأصلية؟.
الواضح أن مرسلي ركاب ال”موتسكيلات” ليل أمس، بدأوا يتصرفون على أنهم الدولة والدويلة في آن، على أنهم السلطة والمعارضة معا، على أنهم المقرات والسرايات والوزارات، وفي الوقت عينه الشوارع والتحركات والثورات. فمبروك لنا كلبنانيين حكم ركاب ال”موتكسيلات” ومن وراءهم، ووداعا لبنان القوي، والعهد القوي.
سياسيا، رئيس الحكومة قرر أن يتصدى لما يحصل بكلمة انتظرها اللبنانيون عصر اليوم. لكنهم، للأسف، عادوا وندموا على انتظارهم لها. فالرئيس دياب بدا في كلمته كأنه يعيش في كوكب آخر، أو كأنه رئيس حكومة لبلد آخر. هو تحدث عن كل شيء، وتعمق في كل المواضيع، لكنه أغفل الأهم: ما حصل ليل أمس في وسط بيروت. فهل مسموح لرئيس السلطة التنفيذية أن يكون منفصلا عن الواقع إلى هذه الدرجة، وأن ينسى حرائق مدينته، رغم انها على بعد أمتار قليلة من السرايا الكبيرة، حيث يعمل ويقطن؟.
إلى الانفصال عن الواقع، بدا دياب كأنه يعاني عقدة أخرى، هي عقدة خوض المعارك الوهمية مع عدو مجهول، ما ذكر مشاهديه ومستمعيه ببطولات “دونكيشوت” الذي كان يحارب طواحين الهواء. هكذا لم يتجرأ دياب في خطابه على لفظ اسم من يستهدفه بكلامه. فهل هذا الدور المفتعل الخالي من البطولة الحقيقية، يليق برئيس حكومة؟.
في المقابل صور دياب نفسه أنه بطل محاربة الفساد، وأنه خارج من رحم ثورة 17 تشرين، وأنه ليس كبقية المسؤولين ولن يكون منهم. فإذا كان هكذا حقا، فلماذا لم يأمر القوى الأمنية أن تضرب بيد من حديد لقمع المخربين؟. كذلك، لماذا وافق الأربعاء الفائت على صفقة التعيينات والمحاصصات وكان شريكا أساسيا فيها؟. والأهم: لماذا يقبل أن يكون مجرد دمية بيد القوى السياسية التي أوصلته؟.
دولة الرئيس: بصراحة، ليتك لم تتكلم.