الرحابنة حضروا اليوم بقوة في يومياتنا من خلال عنوانين يجسدان كل المأساة التي يتخبط فيها لبنان : “أنا مش كافر بس الجوع كافر” اغنية زياد التي كتبها ولبنان في عمق هوة الحرب والمأساة، وقد استوحاها علي محمد الهق فعلقها رسالة على صدره وانتحر باسم كل اللبنانيين, على الحكومة أن تخجل وترحل لكنها لم تفعل. والعنوان الثاني، مسرحية “المحطة” للأخوين رحباني التي تتكلم عن الدولة والحاكم الفاسد الذي أقنع الناس بمحطة وهمية وقطار آت وبدأ ببيع تذاكر السفر بعد أن صدق او اعتبر أن الناس ستصدقه وتهرول لركوب الكذبة للسفر الى المجهول.
هذان العنوانان يختصران مأساة لبنان واللبنانيين والناجمة عن العناد وسوء الإدارة ، وقد أوصلا البلاد الى الكارثة التي هي فيها. فخارج المسرح الرحباني الذي صنع جزءا من ألق لبنان و زين بالمجد مستقبله المرتجى ، فإن من يكتب المسرح السياسي الهابط ويخرجه اليوم أوصل الوطن الصغير الى تراجيكوميديا أبطالها ناس من ورق لا يورثون شعبهم إلا المهانة والمجاعة والخجل.
الترجمة الواقعية لهذه اللوحة الحزينة، أن الرئيس دياب غير المكترث بالتحذيرات المالية والاقتصادية والدبلوماسية، وكلها تضيء له الأحمر للتوقف عن التمادي بالخطأ، يواصل رحلة الهروب الى الأمام.
فبعدما أوصل المفاوضات مع صندوق النقد الى حافة التوقف الكلي والشعب الى حافة الانفجار، أدار ظهره لكل التقارير والمعلومات التي تصله عن أن عرابيه صاروا في وارد التخلي عنه وعن حكومته، وهم في صدد البحث عن البديل.
ها هو ينفتح شرقا، فاستقبل السفير الصيني واستعرض معه جملة مشاريع انمائية قد لا تنفذ لكنها حتما ستقفل أبواب الغرب في وجه لبنان. واستقبل وفدا عراقيا بحث معه نسخة جديدة من سياسة النفط مقابل الغذاء.
والمحير أن الرئيس دياب يعرف، والجميع يعرف ان علاقة لبنان التجارية مع العراق تاريخية، ولطالما كان العراق المستورد الأول من لبنان، لكنه يعرف أيضا أن التبادل مع بغداد توقف لأن طريق بضائعنا اليها تمر في سوريا، وكانت سوريا في حرب، والآن هي تحت مفاعيل حصار قيصر، فكيف السبيل الى هناك؟ إلا إذا كان دياب ينوي إقفال ابواب الغرب والعرب في وجه لبنان.
في السياسة، إذا كان دياب يسترضي “حزب الله” بهذه الخطوات الانتحارية ليحمي بقاءه في السلطة، ترى، هل يفكر دياب بمن سيحميه وحكومته من غضب الجياع؟
ولكن قبل التفصيل يبدو ان السلطة بدأت تعبر عن ضيق صدرها من الناشطين الذين يتكلمون باسم الناس، وها هو الناشط واصف الحركة يتعرض للضرب المبرح إثر خروجه من اذاعة صوت لبنان في الأشرفية بعد مقابلة أجراها ونقل فيها صوت الناس ووجعهم: الرسالة وصلت لكن الأحرار لن يصمتوا.