بعد اعتراض البطريرك في عظاته المتكررة، على أداء العهد والحكومة لسوء أدائهما في معالجة القضايا الحياتية، ووقوفه وقفة الراعي مع الرعية التي تذبح ويتشتت أبناؤها تحت نظره، وإثر إطلاق البطريرك مبادرته لإعلان حياد لبنان، تحرك رئيس الحكومة حسان دياب بالطوافة إلى الديمان للقاء سيد الصرح.
للوهلة الأولى، لا يمكن أي عاقل إلا الإفتراض بأن رئيس الحكومة تلقى رسالة التحذير والإستغاثة، وتوجه إلى الراعي ليطمئنه بأنه سمع النداء، وهو سيتحرك لتلبية مطالب البطريرك واللبنانيين، ومطالب أصدقاء لبنان الذين يرون أن خلاص هذا البلد لا يكون إلا باعتماد الثلاثية الذهبية الحقيقية: خطة اقتصادية خلاقة، قضاء نزيه مستقل، حياد إيجابي مفيد.
لكن مع هذه الطبقة من السياسيين، من السذاجة الإفتراض، إذ خرج دياب بعد اللقاء وأطلق العنان لاسطوانته: طوينا صفحة الخسارات، بدأنا مرحلة الحديث عن البرنامج، ردة فعل صندوق النقد إيجابية، القول إننا حكومة “حزب الله” أسطوانة مكسورة، الحياد مسألة سياسية “وشو منعمل بإسرائيل”. وختمها ب: أنا لن استقيل لعدم توافر البديل.. وهذه كارثة.
بعد هذا الأداء المنفصل عن الواقع، هل من ضرورة لمجيء وزير الخارجية الفرنسية لو دريان إلى بيروت ليستمع إلى الخطاب الخشبي نفسه؟، هو الذي يقدم نفس الطروحات التي يطرحها البطريرك والناس المنتفضون في الشوارع منذ 17 تشرين.
في الانتظار، وكما أدار العهد والحكومة ظهريهما للبطريرك والناس والدول الصديقة، سيبادلهم هؤلاء بالمثل: البطريرك ماض في مشروع الحياد، وهو دعا بشكل غير مباشر إلى مؤتمر لبناني ومن ثم دولي لبحث السبل الآيلة إلى تحقيق هذه الخطوة. الشعب اللبناني إلى المزيد من الشارع، وإلى تشكيل أطر نضالية جبهوية لمواجهة غطرسة السلطة. والدول الصديقة إلى التخلي عن لبنان الذي تخلت عنه دولته المخطوفة.
والنتيجة متوقعة ومعروفة بكل أسف، المزيد من التأزم المعيشي، المالي، الاقتصادي في الداخل، وتعريض لبنان لنيران المعارك الجيوسياسية الكونية الدائرة بين الدول العظمى للسيطرة على المنطقة. والخوف، أن يذهب لبنان “فرق عملة” بعدما فقد عملته وسيادته وفرادة وخصوصية حافظ عليهما منذ عام 1516 إلى عام 2020.
وبعد، من قتل إنسانا عوقب بالسجن والإعدام، فكيف بالذين قتلوا وطنا؟.