أضحى مبارك، أعاده الله على المسلمين واللبنانيين بأيام خالية من الحكام الفاسدين، وبسيادة مكتملة لا شريك فيها للدولة إلا شعبها وجيشها. الدعاء يعكس واقعنا البائس الذي أوحى لإحدى صفحات التواصل الاجتماعي بنكتة مضحكة مبكية، إذ صورت الناس في موقع خواريف الأضحى، فيما الخواريف تحتفل بالعيد من دون خوف من فاعل خير يزكي بها، ولا يد جزار تمتد الى أعناقها لسفك دمها، وذلك بسبب تردي الأحوال المالية والاقتصادية التي أوصلت اللبنانيين الى حد العوز والجوع والموت.
إسقاط هذه الصورة على يومياتنا السياسية يظهر بالأسود القاتم صورة الحكومة وأهل الحكم ومن ورائهما صاحب الدويلة المتحكم الأوحد بأمر الدولة. هذه الحكومة الصورية، وبدلا من ان تحمي لبنان من خلال إعداد الخطط الاقتصادية والمالية الإنقاذية، وبدلا من تمتين علاقات لبنان بشبكة الدول الصديقة، العربية والأجنبية، نرى سيدها يضطلع بدور مأمور التفليسة. وقد نجح في الدور، محققا كل ما عجز عن تحقيقه ألد أعداء لبنان، إذ ضرب المنظومة المصرفية وسمعة لبنان، الذي ما أخل يوما بسداد دين، وافتعل الخلافات مع سفراء الدول الكبرى، ووصلت مواصيله الى وزير خارجية فرنسا، قبل ان يلزم على الاعتذار والتراجع، وتراجع رجال الدولة عن أخطائهم ليس فضيلة، بل هو أسوأ من تكرارها.
وسط الضياع الرسمي الذي صار محط استهجان صحف العالم وأكاديمياته ومكاتب دراساته ودبلوماسياته، ما عاد اللبنانيون يسألون عن اليوم الذي نتوقف فيه عن الغوص المتسارع الى أعماق الأزمات، فالإنقاذ لن يأتي على يد هذه السلطة وهذا بات محسوما. والتحدي صار كرة نار في صدور قوى الثورة، وقد بات واجبا عليها توحيد جهودها وبرامجها من أجل فرض التغيير. في الانتظار، لبنان الصحي يتراجع أمام توسع رقعة كورونا، ولبنان المالي يترنح أمام ارتفاع الدولار وانهيار العملة الوطنية، ولبنان الإنمائي الاقتصادي يلفظ أنفاسه الأخيرة بفعل خروج قطاع الطاقة، تيارا كهربائيا ومحروقات، عن السيطرة. والمشكلة الأكبر، ان أهل الحكم والموالاة، وبعدما ارتكبوه في حق لبنان بامتناعهم عن الإصلاح وبناء المؤسسات واسترجاع السيادة، وجنوحهم نحو الشرق، هم فوق كل هذا يرفضون مشروع الحياد الذي يطرحه البطريرك الماروني باسم أكثرية ساحقة من اللبنانيين، علما بأن الحياد يشكل رافعة أساسية للبنان، ليس من أزماته الأمنية ولهيب الإقليم فحسب، بل من أزماته المالية- الاقتصادية- الاستثمارية. فاعتماد الحياد يخفف من تشدد الدول العربية والأجنبية مع لبنان المقصر في تحقيق الإصلاح ومحاربة الفساد، ويفتح الخطوط الائتمانية والودائع والسياحة والاستثمارات، بمجرد وعد صادق من دولتنا بتغيير وإصلاح حقيقيين جديين. فهل من يسمع، قبل زوال لبنان؟