تحية ومنديلا أسود وآلاف العيون الدامعة من بركان الرابع من آب الذي قضى على ثلث العاصمة، الى بركان الرابع عشر من شباط الذي قتل الرئيس رفيق الحريري و معه الحلم الوليد ببناء دولة ما بعد الحرب. و منها تحية موصولة الى كمال جنبلاط وموسى الصدر والمفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح والرئيسين رينه معوض وبشير الجميل وكل شهداء ثورة الأرز الأموات منهم والأحياء .
صحيح ان التحية تأخرت عقودا لكنها وصلت ، وصحيح ايضا ان المحكمة الخاصة بلبنان ستلفظ غدا حكمها العادل في اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه ، لكنها بالفعل ستمنح كل من وردت أسماؤهم في هذه السطور والذين لم ترد لضيق المساحة ، ستمنحهم عدالة معنوية ، بوضعها حدا لرياضة القتل بلا عقاب ولممارسيها ، إذ سترسي بدءا من الغد قاعدة جديدة تقوم على الآتي : لا جريمة من دون مجرم و لا مجرم من دون عقاب . واهمية الحكم تكمن في أن الجرائم الموصوفة التي زعزعت كيان لبنان، هي جرائم دولة ، وهي ارتكبت لتقويض حلم اللبنانيين بدولة حرة سيدة مستقلة والأدهى أنها متواصلة و متمادية حتى الأمس . متمادية لأنها ظلت من دون عقاب ، ولأن القتلة فرضوا بجرائمهم نسق حكم وحكام يتناسلون من هذا النفس الناسف لمفهوم دولة العدالة والقانون وحقوق الانسان ، وهذا نمط قاتل مقعد للدول ، لكنه قاتل أكيد للبنان ورسالته ودوره.
لكن العدالة على أهميتها لا تشكل إلا جزءا من العلاج الذي لا يكتمل إلا بالحياد . فالعقيدة القاتلة التي يعتنقها كل من أسهم ويسهم في تغيير وجه لبنان ، تقوم على انتهاج سياسات تغرقه في صراعات المنطقة والعالم ، والدعاء أن تتلاقى عدالة لاهاي مع مذكرة ” لبنان والحياد الناشط” التي اطلقها البطريرك الراعي رسميا باسم كل عقلاء لبنان .
في الانتظار ، المسار الأعرج للدولة يتواصل ، وخاطفوها يصرون على استنتساخ حكومة حسان دياب ورفض الانتخابات المبكرة ، ورفض الإصغاء الى الشعب والى نصائح الدول التي أغرقت لبنان بالمساعدات وبالنصائح ، لا بالسلاح والمصائب . في سياق المصائب ، كارثة الكورونا تكمل ما عجز عنه زلزال المرفأ ، إذ خرج عداد الاصابات بالفيروس عن السيطرة ، و معه بدأت المستشفيات الخروج من الخدمة إذ فقدت طاقاتها الاستيعابية والعلاجية. والمطلوب اليوم قبل الغد ، وبالتأكيد قبل الخميس ، إغلاق البلاد بشكل تام وصارم مدة خمسة عشرة يوما ، علنا نستعيد السيطرة على الانتشار الكارثي للفيروس ، وإلا تعرض لبنان لما يشبه الإبادة الجماعية . والتوسل هذا موجه الى الشعب قبل الدولة ، أن يشفق على نفسه إن عجزت الدولة عن قمع المخالفين وحجرهم