عشية مئوية لبنان الكبير، تتزاحم الاستحقاقات الثقيلة على الوطن الذي ما عاد كبيرا، مذ فقد رجالاته الكبار. أهم هذه الاستحقاقات من حيث رمزيته وارتداداته المباشرة على الوضع الداخلي، يتمثل بزيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لبنان غدا للمشاركة في المئوية الأولى. الزيارة تنقلنا في الزمن إلى ثلاث محطات مفصلية عرفها لبنان، بعد أزمات كادت تودي به: 1920 عندما أعلن لبنان الكبير وانتدبت فرنسا لرعاية مسيرته نحو الاستقلال. 1989 عندما قام كونسورسيوم دولي- عربي برعاية اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب وصار دستورا للجمهورية الثانية. وذكرى المئوية غدا، حيث تعود فرنسا بكل ثقلها لإنقاذ الجمهورية.
الجامع المشترك بين المحطات، إخضاع لبنان للوصاية إنقاذا له من نفسه ومن تواطؤ بعض قياداته مع الخارج، بما يضعه تكرارا على شفير الزوال. علما بأن تحوير روحية الوصاية الثانية، من حميدة إلى سيئة وتجييرها للسوريين ومن ثم للإيرانيين، السبب في استدراج مشروع الوصاية الذي نحن في صدده. الفارق هذه المرة أن لبنان مخير وليس مسيرا، فإن سمع نصائح الرئيس ماكرون والأسرة الدولية أنقذ نفسه، وإن لم يفعل ترك لمصير أسود نتذوقه كلنا الآن، فقرا وجوعا ومرضا وانهيارا اقتصاديا وسياديا.
والسؤال، هل تلقفت الطبقة السياسية الرسالة الفرنسية- العربية- الدولية؟.
المعلومات تشير إلى توافق الرؤساء السنة السابقين على تسمية مصطفى أديب لتشكيل الحكومة، وهو يشغل منصب سفير لبنان في المانيا، ومقرب من الرئيس ميقاتي. لكن الحلقة المفقودة بين دياب وأديب تتمثل بالناس المنتفضين، يقبلون به أم لا يقبلون، وب”حزب الله” و”التيار الحر”، وما إذا كانا سيقبلان بالاسم وبتشكيل حكومة أقرب إلى الحياد، أم أنهما سيقبلان امتصاصا لغضب ماكرون فيكلفان رئيسا لكنهما يصعبان عليه التأليف.
توازيا، ثلاثة مواقف عالية الأهمية والخطورة: الأول، تجديد البطريرك الراعي دعمه الحياد الناشط والدولة المدنية، رافضا المساومة على هذا المطلب المبدئي. الثاني، السيد حسن نصرالله، الذي يرفض الحياد، و”يتكتك” داعيا إلى استفتاء على الخيارات المصيرية وإلى عقد سياسي جديد. نقول “يتكتك”، لأنه يعلم بأن أكثرية موصوفة عابرة للطوائف ستخذله في هذا الاستفتاء وستؤيد الحياد وترفض السلاح. واللافت أن رغم انشغالاته الوطنية والقومية، لا ينسى السيد نصرالله التحريض على محطة تلفزيونية محلية، لا لشيء إلا لأنها تؤيد الحياد وتضيء على الوقائع المأسوية الناجمة عن السلاح وعن انفجار 4 آب.
الموقف الثالث للرئيس عون بعد قليل، هل سيتلقف الدور التاريخي الملقى على عاتقه، فيشعل شمعة المئوية الثانية، أم أنه سيطفىء شمعة المئوية الأولى، ومعها أي أمل بلبنان السيد الذي حلم به الآباء المؤسسون والأبناء والأحفاد؟. لننتظر ونر.