المسؤولون والأستاذ. إنه التوصيف الأدق لما حصل في اليومين الفائتين في لبنان، أي منذ مجيء إيمانويل ماكرون إلى لبنان وحتى مغادرته.
فالرئيس الفرنسي تصرف مع المسؤولين اللبنانيين كما يتصرف الأستاذ مع التلامذة الصغار، بل مع التلامذة الكسولين والفوضويين والفاسدين ! إجتمع بهم فرادى ومجموعين وألقى عليهم درسا مفصلا، كلفهم في نهايته إنجاز فروضهم في غضون ثمانية أسابيع. ولم ينس أن يفهمهم بصريح العبارة أنهم سيلقون عقابا قاسيا إذا لم ينفذوا المطلوب منهم كما يجب. كما هددهم أنه سيعود بعد أربعة أشهر للكشف على ما فعلوا وعلى ما لم يفعلوا.
فهل من عار أكبر من هذا العار؟ ألم يستحي المسؤولون اللبنانيون وهم يسمعون “ماكرون” يلقي عليهم أمر العمليات الفرنسي الذي أسماه خريطة الطريق؟ ألم يخجلوا من أنفسهم ومن أولادهم ومن عائلاتهم ؟ ألم يخجلوا منا نحن الذين كنا نعتقد أن فيهم بعد ذرة من الشرف والكرامة؟
أن لبنان منذ مئة عام كان أقوى لأن زعماءه كانوا زعماء حقا ولم يكونوا مجرد دمى. دولة لبنان الكبير عند إعلانها كانت تطمح وتريد السيادة والكرامة. فكيف سمحنا لأشباه المسؤولين أن يسلبوا منها السيادة وأن يهدروا فيها الكرامة؟
وما ان غادر ماكرون حتى حط شينكر! وبحسب المعلومات فانه اصبح شبه مؤكد ان المسؤول الاميركي لن يلتقي المسؤولين اللبنانيين الا في حال تحقيق تقدم في ملف ترسيم الحدود البحرية.
الموقف الاميركي اللافت يطرح اكثر من سؤال. فهل هو موجه فقط الى المسؤولين اللبنانيين ويختص حصرا بملف ترسيم الحدود، ام انه موجه ايضا الى الرئيس الفرنسي باعتبار ان ماكرون اعترف بالسلطة السياسية القائمة وتعامل معها، ولو كأمر واقع؟ والاهم: ما حقيقة الموقف الاميركي من الطبخة الحكومية ذات النكهة الفرنسية الفاقعة؟ هل الاميركيون معها ام ضدها ام بين بين؟
الاحتمال الثالث هو الراجح. اذ من الواضح ان الادارة الاميركية لن تأخذ موقفا جذريا من الحكومة المقبلة. فهي ليست ضدها بالمطلق، لكنها في المقابل غير مقتنعة البتة بأنها يمكن ان تحقق الانجازات المطلوبة منها، لأن الطبقة السياسية التي انتجتها لا تزال هي هي ولم تتغير.
وما حصل في عين التينة اليوم يعزز الشكوك الاميركية. فالكتل المختلفة تعففت نظريا وقالت انها لا تريد شيئا وبشرت بمبدأ المداورة في الحقائب والوزارات. لكن النائب ايوب حميد سرعان ما نقض الموقف النظري باعلانه التمسك بالتوقيع الشيعي في وزارة المال.
في المقابل اعلن النائب باسيل ان المداورة ممكنة اذا وافق الجميع عليها. فهل التسهيل النظري سيبقى نظريا لأن السياسيين يناورون ويراوغون ولن يتخلوا عن اي من مكتسابتهم عند لحظة الحقيقة، وخصوصا ان “الاستاذ ماكرون” اضحى بعيدا بعدما عاد مع عصاه الموجعة الى بلاده؟