كيف تسمح السلطة لنفسها أن تقمع مواطنيها بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب؟. فبعد انفجار الرابع من آب وحريق العاشر من أيلول، كان على السلطة أن تستحي وأن تخجل من نفسها، وأن تدفن رأسها في تراب المرفأ المنكوب. كان عليها أن تعتذر من مواطنيها، وأن يستقيل رموزها ويعودوا إلى بيوتهم ليحاكموا وليحكم عليهم، وربما لتعلق مشانقهم. فإهمالهم واضح، وتقصيرهم مفضوح، وفسادهم ظاهر وتواطؤهم لا يختلف عليه اثنان. فكيف أعطوا الأمر للقوى الأمنية أن تطلق النار على الناس، بدلا من أن يستمعوا إلى وجعهم وصرختهم وألمهم؟.
إنها السلطة الفاجرة والمسؤولون الفاجرون، وقد وصل بهم الفجور إلى حد محاولة زرع الخلاف والفتنة بين المنتفضين وبين الجيش. لكن فات أهل السلطة وركاب الكراسي، ولو على جثث الضحايا، أن المنتفضين لن ينجروا إلى هذا الأمر. فكما أن الشعب خط أحمر، فإن الجيش خط أحمر ايضا. أما المسؤولون المهملون، الفاسدون، السارقون، المجرمون، فإن مصيرهم المشانق التي علقت اليوم على الطرقات. اليوم علقت المشانق، فمتى تتدحرج الرؤوس؟.
سياسيا، اللبنانيون بدأوا يستعيدون كلمة الرئيس الفرنسي في زيارته الثانية للبنان. إيمانويل ماكرون قال: أنا أضع على الطاولة الأمر الوحيد الذي أملكه: رصيدي السياسي. والظاهر أن الرهان الذي تحدث عنه ماكرون في بداية أيلول أصبح واقعا. رصيده السياسي صار على المحك، في ظل الأخذ والرد الذي يتحكم في تشكيل الحكومة، وفي ظل التعثر الذي بدأ يطبع عملية التشكيل. فمعلومات اليوم غير مشجعة ولا ايجابية.
إثنا عشر يوما انقضت على تكليف أديب، وحتى الآن لا بوادر ايجابية. الرئيس المكلف لم يصعد إلى بعبدا كما كان مقررا، ما يعني أحد أمرين: إما أن التشكيلة المنتظرة لم تجهز بعد، وإما أن أديب يدرك أن تشكيلته ستواجه بالرفض، لذا فضل ألا يصعد إلى القصر الجمهوري. علما أن مصادر معنية أكدت لل “ام تي في” أن أديب سيلتقي غدا رئيس الجمهورية، ربما ليضع بين يديه التشكيلة الحكومية المنتظرة. فهل يقبل عون تشكيلة أديب ويوقع، أم يرفضها فيدخل البلد في أزمة حكومة وحكم، بل حتى أزمة وجودية؟، ذاك أن المعادلة المطروحة بسيطة وواضحة: فإما القبول بالمبادرة الفرنسية كما هي، وإما الانهيار والفوضى. فهل يريد زعماء ومسؤولو آخر زمان، أن يضحوا بمستقبل لبنان واللبنانيين في سبيل وزارة من هنا وصفقة من هناك؟.