صيف 1988 جاء الديبلوماسي الأميركي ريتشارد مورفي إلى لبنان ليسوق انتخاب مخايل ضاهر لرئاسة الجمهورية. يومها رفض الزعماء المسيحيون الفكرة فقال لهم مورفي كلمته الشهيرة: إما مخايل الضاهر أو الفوضى، وبالفعل، كانت الفوضى مدمرة، وأدت إلى ثلاثة حروب في أقل من سنتين وإلى دخول الجيش السوري إلى بعبدا واليرزة.
اليوم يشبه الوضع اللبناني إلى حد كبير ما حصل في صيف ال 1988. فنحن نعيش ساعات حاسمة في لبنان، الخيار خلالها بين اثنين: إما الحكومة التي يطالب بها الشعب اللبناني والمجتمع الدولي أو الفوضى.
حتى الآن الأجواء غير مشجعة، والمواقف السلبية تطغى على المواقف الإيجابية، فالتواصل مقطوع بين رئيس الحكومة المكلف وبين بعبدا. فهو لم يلتق رئيس الجمهورية بعد المشاورات التي أجراها عون مع الكتل النيابية. كما أن الرئيس المكلف لم يلتق الثنائي الشيعي مباشرة، وبالتالي لم يتمكن حتى الآن من إحداث خرق في الجدار الشيعي المسدود.
والأبرز أن فرنسا أسفت لعدم تمكن الزعماء اللبنانيين من الإلتزام بتعهداتهم لماكرون. فهل تعني كل هذه المعطيات أن الفوضى آتية حكما وأن لا أمل على الإطلاق بتشكيل حكومة الإنقاذ المنتظرة؟
حتى الان احتمالات النجاح والفشل متساوية، لكن محاولات ربع الساعة الاخيرة جارية بقوة وتتركز على ثلاثة مستويات: محلية وفرنسية واميركية.
في لبنان أولا الاتصالات مستمرة، ورئيس الحكومة المكلف يجري مشاورات مكثفة بعيدا عن الاعلام، كما ان اللواء عباس ابراهيم دخل كالعادة على خط الوساطة والمساعي الحميدة.
وفي فرنسا الرئيس ايمانويل ماكرون يتابع التفاصيل اللبنانية اولا بأول مع خلية الازمة التي تشكلت لمتابعة الوضع اللبناني. ووفق معلومات ال “ام تي في” فان الحكومة الفرنسية في وارد تمديد مهلة تشكيل الحكومة يومين اضافيين، بحيث لا تتعدى الفترة المعطاة لتشكيل الحكومة عطلة نهاية الاسبوع الجاري.
اما في واشنطن فاجواء الادارة الاميركية توحي التصلب والتشدد الى اقصى الحدود، ويمكن اختصارها بالاتي: اذا لم يتوصل الزعماء اللبنانيون الى تشكيل الحكومة في اليومين المقبلين، فان الحكومة الاميركية ستنزل اقصى العقوبات بعدد كبير من الشخصيات اللبنانية، وهي لن توفر حتى بعض زعماء الصف الاول الذين يعتبرون انفسهم فوق اي نوع من انواع العقوبات.
اذا، الساعات المقبلة حاسمة. فهل تتغلب مصلحة الوطن على هواجس الطائفة فينجو لبنان، ام تكون الطائفة هي الاقوى فيسقط لبنان في الامتحان الكبير، ويعيش الفوضى المدمرة من جديد؟