مهلا ترامب مهلا، وتخل عن سياسة العقوبات على أهل السلطة و”حزب الله” ومن ركبوا قطار الحزب في لبنان، فالعقوبات لم تهز ضميرا ولم تفقر غنيا سارقا، ولم تغن فقيرا. عقوباتك أفقرت لبنان وزادت فقراءه فقرا، وبدلا من أن تهز عروش السارقين جعلتهم أبطالا قوميين ودفعتهم إلى المزيد من التصلب والتمسك بمواقعهم.
السيد ترامب، ما صح من سياساتك العقابية مع كل الدول، فشل وسيفشل في لبنان. وما ينطبق من هذا الكلام على ترامب العنيف، وللمفارقة، ينطبق على موقف الرئيس ماكرون اللطيف، فمسايرته الحزب والطبقة السياسية لقيت الرفض نفسه، لأن لا ضمير يوبخ ولا رأيا عاما يحاسب، وها هو لبنان المتهاوي اقترب من الاصطدام الكبير.
الشيء الوحيد الذي نجحت وستنجح في تحقيقه العقوبات الحالية والمقبلة، هو كشف النوايا الإنقلابية للثنائي ومن يتحالف معه، فقد اضطرا إلى البوح بما يكنانه للبنان من ازدراء، ولصيغة العيش الواحد من احتقار، بما تعنيه من تساو بين أبناء الوطن الواحد، بعدما أعمى وهج السلاح أبصارهما ودفعهما إلى التخلي عن لبنان من أجل حقيبة وزارية.
ومن خوفهم على النسيج الشيعي وأهميته في التركيبة الوطنية، لا ينفك البطريرك الراعي وأصدقاء لبنان يتوسلون المنقلبين على لبنان العودة إليه، ضنا بالفكرة اللبنانية التي لم تعد تحتمل المزيد من التمزيق.
في هذه الأجواء الملبدة، يتجه مصطفى أديب نحو الفشل المؤكد، ولبنان إلى مأزق كبير، حتى ولو شكل حكومة، لأنها لن تكون حكومة المهمة التي أرادها وطمح إليها اللبنانيون، فكيف به إذا رمى تشكيلته في وجوه معرقليه واستقال؟.
وفي خضم الأجواء الانقلابية الفاقعة، لا يعود للتوقعات البسيطة الساذجة أي قيمة، خصوصا التوقعات التي تروجها أوساط مقربة من العهد، وتتحدث عن أن الرئيس عون لن ينتظر طويلا وسيحسم قضية التأليف، وهنا تشير مصادر عربية ودولية معنية بالملف اللبناني أن أمام رئيس الجمهورية حل واحد، قبول تشكيلة أديب مهما كان الثمن، وثمن القرار الجريء الصائب سيكون أقل كلفة، إذ نحن سائرون في ظل المراوحة والعناد إلى خراب محتم.
لكن أحدا لا يستطيع استقراء ما سيقرره عون، الذي لم ينح في السنوات الأربع من عهده نحو ما ينجح تجربته في الحكم، بينما تسهل قراءة ما يخطط له حلفاء عون الألداء، إذ وبدلا من تليين مواقفهم، يتبجحون بأنهم أفشلوا مهمة ماكرون وعيونهم على كسر ترامب.
في الأثناء، عاصفة كورونا تتوسع، إحدى عشرة وفاة وألف وستة مصابين، وسط سجال بين وزارتي الداخلية والصحة حول الجدوى من إقفال البلاد مجددا، فيما البحر المتوسط يرد الفارين من جحيم لبنان إلى قبرص جثثا إلى شواطئه، وكأنه يعاقبهم في إيابهم كما في ذهابهم، كل واحد من الأجساد المتآكلة يحمل رسالة إدانة إلى طبقة سياسية مجرمة لا تقرأ ولا تبالي.. حمى الله لبنان.