“عندما يلتزم قادة لبنان التغيير فان الولايات المتحدة الاميركية ستقدم المساعدات اللازمة.” بهذه العبارة وصف مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد هيل طريقة التعاطي الاميركية مع الواقع اللبناني.
لكن : هل قادة لبنان يرغبون حقا في التغيير او هل هم قادرون عليه؟ من استقراء التطورات يتبين ان اداء المسؤولين اللبنانيين يراوح مكانه، ولم يشهد اي تطور. فكأن انتفاضة 17 تشرين لم تندلع، وكأن زلزال 4 آب لم يحصل، لذلك فان احزاب السلطة تنكر اي مسؤولية لها عما حصل ولا تشعر بالحاجة لاجراء نقد ذاتي يؤدي الى تغيير اسلوب تعاطيها مع الوقائع والاحداث. والدليل على ذلك الخلاف على آلية تشكيل الحكومة.
اليوم اجتمع رئيس الحكومة المكلف بالخليلين، وقد بحث الثلاثة بمبدأ التسمية الذي لا يزال حتى الساعة موضع أخذ ورد بين الطرفين. اي من له حق التسمية ومن له حق الموافقة او الاعتراض. ووفق معلومات الـ ” أم تي في” فان احد الخليلين كان يحمل في جيبه عدة اسماء شيعية لوزارة المال او حتى لوزارات اخرى ، لكنه فضل الا يعرضها على اديب. والسبب ان لا توافق حتى الان على الاقل على الالية. فاديب يريد ان يسمي هو الوزراء وان يكونوا وزارء مستقلين، فيما الخليلان يريدان العودة الى الالية المتبعة اي ان تختار الكتل النيابية ممثليها في الحكومة. فماذا يفعل الخليلان حقا؟ هل يريدان الحفاظ على آلية اثبت عقمها وفشلها، ام يريدان اطلاق رصاصة الرحمة على المبادرة الفرنسية؟
أكثر من ذلك: ماذا يريد الثنائي الشيعي حقا؟ هل يريد حكومة أم أنه يفضل كسب الوقت بانتظار نتائج الإنتخابات الأميركية؟ وهل هو مقتنع بالعمق بمبادرة الرئيس ماكرون أم أنه يمارس مبدأ التقية السياسية، أي أنه يؤيدها ظاهرا فيما يسعى إلى تفخيخها في العمق؟ وعلى افتراض أن الرئيس المكلف قبل بتسميات الثنائي، أفلا يعني هذا أن جميع القوى السياسية الأخرى ستصر على تسمية وزرائها ؟ وألا يعني هذا أيضا أننا سنكون في أفضل الأحوال أمام حكومة تستنسخ التجربة الفاشلة لحكومة حسان دياب، وتأتي بأكاديميين واختصاصيين تابعين لجهات سياسية ولا يملكون حرية القرار؟
الأهم: إذا كانت معظم القوى السياسية هي التي ستختار الوزراء فكيف سيحاسب هؤلاء من ساهم بتعيينهم؟ إن الإصلاح الحقيقي يبدأ بإرساء مبدأ التحقيق الجنائي في مختلف الوزارات بدءا من وزارة المالية. وإذا لم يتضمن البيان الوزاري هذا البند فإن الحكومة الحالية ستصبح كسابقاتها. فهل القوى السياسية عندنا مستعدة لتجرع الكأس المرة؟ طبعا لا، لأن لا أحد يحب أن يحاسب نفسه بنفسه.
لذلك فالإنتظار الثقيل سيطول، والمصاعب ستقوى وتشتد إلى أن ترضخ القوى السياسية للأمر الواقع. بالنتيجة: إذا استعرنا ما قاله عون والحريري فإن اللبنانيين معلقون بين تجرع السم فوق الأرض أو النزول إلى جهنم.. فإلى أين المفر؟