قنبلة سياسية- ديبلوماسية من العيار الثقيل فجرها الرئيس الفرنسي. فبعد أقل من اثنتين وثلاثين ساعة على اعتذار مصطفى أديب، قال إيمانويل ماكرون كلمته، ولم يستسلم. ماكرون بدا وكأنه يحاول أن يستوعب الضربة التي منيت بها الديبلوماسية الفرنسية، كما يحاول أن يستفيد من الفشل ليبني على الشيء مقتضاه.
لقد رد على الفشل بهجوم ساحق على الطبقة السياسية كلا، متحدثا عن خيانة جماعية من قبل القادة اللبنانيين، متهما إياهم بالعجز والفساد وربط قرار لبنان بالخارج. كما رأى أن لا قيامة للبنان مع طبقة سياسية فاسدة وفاشلة إلى هذه الدرجة. لكن الأهم أن ماكرون لم يبق في التعميم. فللمرة الأولى يخرج الرئيس الفرنسي عن لغته الديبلوماسية لينتقد “حزب الله” بالاسم وبقوة، وليدعوه إلى احترام اللبنانيين جميعا وإلى الايفاء بتعهداته، معتبرا أنه يمارس الترهيب على اللبنانيين بقوة السلاح. ماكرون رأى أن “حزب الله” لا يمكنه أن يكون في آن واحد: جيشا محاربا لاسرائيل، وميليشيا إلى جانب سوريا، وحزبا محترما في لبنان، مؤكدا أنه أظهر العكس في المرحلة الأخيرة. ولم يكتف ماكرون بهذا، بل اتهم “حزب الله” وحركة “أمل” بأنهما لا يريدان التسوية.
المؤتمر الصحافي الناري لماكرون مهد له، كما علمت ال “ام تي في”، باتصالات مركزة على الصعيد اللبناني. فهو اتصل بعدد من القيادات المحلية، واضعا إياها في جو مؤتمره الصحافي، ومتمنيا عليها أن تؤيده في الطرح الذي سيتقدم به. الاتصالات الفرنسية لم تقتصرعلى لبنان بل شملت أيضا، وفقا لمعلومات ال “ام تي في”، عددا من الدول هي السعودية ومصر وإيران وأميركا. مع مصر والسعودية أبدى ماكرون رغبته في زيادة التنسيق على اسم رئيس الحكومة المقبل، باعتبار أنهما العاصمتان الإقليميتان السنيتان الأكبر والأبرز في المنطقة. إيران دعاها ماكرون إلى التخفيف من شروطها، وحاول إقناعها بعدم ربط تأليف الحكومة اللبنانية بمسار الانتخابات الأميركية ونتائجها. أما بالنسبة إلى أميركا فقد تمنى عليها ماكرون تأجيل فرض عقوبات جديدة، معتبرا أن العقوبات تصعب مهمته وتعقدها.
على أي حال ماكرون أكد أن مبادرته لم تسحب بعد وهي ما زالت قائمة، وإن كان أعطى السياسيين اللبنانيين مهلة لمحاولة إصلاح ما خربوه. فهل تتحرك القوى السياسية هنا؟، طبعا الأمر شبه مستحيل. وفي هذه الحال، هل يمكن لماكرون أن يحقق في محاولته الثانية ما عجز عنه في محاولته الأولى؟.
وعلى وقع المبادرة الفرنسية الجديدة- القديمة، حادثان أمنيان كبيران في الشمال. الأول: في وادي خالد، الثاني في المنية. البعد الجغرافي يوحي أن الحادثين متباعدان ولا علاقة بينهما، لكن الواقع مختلف. فما حصل في المنطقتين مترابط، وهو على علاقة بما حصل سابقا في كفتون. ففي المواضع الثلاثة المسبب واحد: خلية “داعشية” هدفها زرع الرعب في الشمال، وتنفيذ عمليات إرهابية نوعية في أرجاء المنطقة لزعزعة الاستقرار.
الضربة الاستباقية للقوى الأمنية في وادي خالد، كانت ناجحة وأدت إلى القضاء على عناصر الخلية الموجودين في أحد مراكزهم. وهو ما حمل مجموعة إرهابية ثانية مرتبطة بالأولى على مهاجمة مركز للجيش في محلة عرمان ما أدى إلى مقتل ارهابي، تبين أنه يحمل حزاما ناسفا كان ينوي تفجيره داخل المركز.
تصدي الجيش للعملية الإرهابية لم يمر من دون ثمن تمثل في سقوط عنصرين من عناصره. فلماذا وكيف استيقظت الخلايا الإرهابية النائمة في الشمال؟، ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟، وهل ما يحصل أمنيا بعيد عما يحصل سياسيا وحكوميا، ولا سيما بالنسبة إلى المبادرة الفرنسية؟. مهما يكن، الأكيد أن التطورات الأمنية الشمالية أثبتت مرة جديدة أن القوى الأمنية اللبنانية الشرعية قادرة، متى توافر القرارالسياسي، على توجيه ضربات موجعة إلى الإرهاب.
حرب أخرى يخوضها لبنان، هي ضد الكورونا. ففي ظل عدم توافر اللقاح لهذا الفيروس الخبيث الجديد، أزمة أخرى تلوح في الأفق، تتمثل في عدم وجود لقاحات لمواجهة أنواع الانفلونزا العادية. فهل تتحول حربنا الصعبة ضد الكورونا حربا مزدوجة مستحيلة؟.