بين أولويات “حزب الله” وأولويات الدولة ومصالحها وأولويات اللبنانيين، تتقدم أولويات الحزب، فهو ارتأى بحكم الصلاحيات الاستنسابية التي يقتطعها لنفسه من دون غيره، أن مصلحته ومصلحة إيران هي في أن يذهب إلى ترسيم الحدود مع إسرائيل. والأخطر في هذه الخطوة أنها آحادية، وأنها لا تلحظ إمكانية أن تتواكب المفاوضات مع تشكيل حكومة، بما يقوي الموقف اللبناني.
فالحزب يعلم كما تعلم السلطة المستسلمة لمشيئته، أن أي تفاوض لا يمكن أن يستقيم، فيما الدولة تنهار ومعالمها تتبدل وشعبها يزداد جوعا ومرضا، بعد كل جولة تفاوض يجريها الوفد اللبناني في الناقورة. فإسرائيل المستقوية بسلاحها وبالدعم الأميركي غير المشروط، والتي تحصي أنفاسنا وتعرف مواقع مخازننا وترى عري دولتنا وضعفها، ستزداد تصلبا حيال أي تنازل لمصلحة لبنان.
وبما أن الحزب يعرف نوايا إسرائيل ويفضح ألاعيبها، فأحرى به أن يعزز مكامن قوة لبنان بتسهيل تشكيل الحكومة، اللهم إلا إذا كان لا يهمه لبنان وصارت لعبته إكسترا حدودية، لا يشكل لبنان فيها سوى تفصيل طوبوغرافي- إستراتيجي.
تتجلى صحة هذا الإستنتاج في تركيز الحزب على تفشيل مبادرة ماكرون، مرة لانتظار جلاء صورة ما يطبخ للشرق الأوسط، ومرة لبيع موقف إيجابي للأميركي، عله يغلب مبدأ السياسة الواقعية فيلزم الجنوب وغازه الموعود للحزب، على قاعدة أنه الأقوى من خلال حماية حدود إسرائيل.
ووسط سياسة الرابح- رابح هذه، لبنان الدولة غير موجود.
لبنان الآخر في هذه الأثناء، يبحث عن الدولة فلا يجدها سوى صورة واهية مزروكة في الطائرة التي تقل الرؤساء الثلاثة، الاثنين إلى الكويت، لتقديم واجب التعزية بأميرها الراحل. ويبحث اللبناني عن حكومة قوية قادرة تنتشله من الانهيارات المالية والاقتصادية والصحية، فلا يجد في “خلقته” سوى حكومة تصريف الأعمال التي كانت هي السبب في تسريع الانهيار، فكيف لقاصر أن يتولى إدارة أزمة يعجز عن إدارتها البالغون؟.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، انظروا كيف تعالج الحكومة المنحوسة ملف الكورونا. فهي وبعد أن احفقت في تأمين الأدوية والعلاجات والمستلزمات الضرورية لاستمرار القطاع الاستشفائي والجسمين الطبي والتمريضي، ها هي تكرر الخطأ نفسه مرة جديدة من خلال قرار جديد غبي قضى بإقفال مئة وإحدى عشرة بلدة ومدينة بسبب تفشي الكورونا. وقد استندت إلى إحصاءات ودراسات غير دقيقة، ولم تشرح للبلديات والناس والقوى الأمنية كيفية تطبيق القرار. لماذا؟، لأنها ببساطة لم تفهمه ولأنه غير قابل للتطبيق.
في الأثناء، لبنان السائب يشكل مسرحا للقتل والسرقة والتشليح والتشبيح، وآخر الاستباحات ليس بحجم باخرة بنزين، بل هو بالفعل باخرة بنزين- شبح، إبنة عم المرحومة باخرة الأمونيوم، اكتشفتها ال”ام تي في” أمام مصفاة الزهراني، وفي خزاناتها ملايين الليترات. لقيطة لم يستوردها أحد ولم يطالب بها أحد، ما نعرفه عنها أمران: أنكم مولتم ثمنها من جيوبكم، ووجهتها النهائية. وينطبق على هذه الفضيحة فحوى القول المأثور: علمت بباخرة وغابت عنك بواخر.. حرام هالبلد.