إنه أغرب قرار في تاريخ لبنان. قبله كنا نعرف أن الدولة تتخذ قرارات لا ترغب حقيقة في أن تنفذها، أو لا تقدر ان تنفذها. لكن ما فاجأنا حقا هو الإرباك الغريب العجيب في التعاطي مع قرار اتخذ، ومع وجود جهات كثيرة تنصلت من تنفيذه. اليوم كنا على موعد مع إقفال عدد من القرى والبلدات والمدن. المؤسف أن القرار في يومه الأول لم ينفذ كليا بل جزئيا. والسؤال: إذا كان الأمر هكذا في اليوم الأول وفي عطلة الأحد، فماذا عن بقية الأيام التي تشهد زحمة سير وحركة عمل؟.
على أي حال، بلديات كثيرة تعاطت مع القرار على أنه غير منطقي وغير طبيعي. فهي عصت قرار وزارة الداخلية والبلديات، وقالت بكل وضوح وصراحة إنها لن تتفذه. فماذا ستفعل الوزارة في هذه الحالة؟، هل تعترف بخطأها وأن قرارها غير مصيب، أم تلجأ إلى القوة لتنفيذ القرار؟. لكن عن أي قوة نتحدث؟، فوزارة الداخلية تهربت من تنفيذ القرار، ودعت البلديات إلى تسلم التنفيذ والتطبيق. فبأي منطق إذا نطلب من البلديات التي تريد مخالفة القرار أن تنفذه؟.
حكوميا، لا جديد ولا حركة مشاورات، لا ظاهرة ولا خفية. فكأن الأطراف السياسية كلها فقدت الأمل بإمكان إحداث خرق داخلي للأزمة، وسلمت بأن عليها انتظار نتائج الانتخابات الأميركية.
في المقابل، يلاحظ أن قوى فريق الثامن من آذار، تشيع أجواء إيجابية مرتكزها أن انطلاق مفاوضات الترسيم يفترض وجود حكومة سياسية لا حكومة مستقلين أو حكومة اختصاصيين. فكأن قوى الثامن من آذار تحاول أن تبيع ملف الترسيم، مقابل الحصول على مكتسبات في ما خص تشكيل الحكومة. فهل تنجح هذه الخطة في تحقيق أهدافها؟، مصادر الفريق المقابل، تؤكد أن التراجع عن فكرة حكومة المستقلين ليس واردا، لا لأسباب سياسية، بل لأن كل حكومة يشارك فيها “حزب الله” لن تنال ثقة المجتمعين العربي والدولي، وبالتالي لن تتمكن من الحصول على أي مساعدات من الخارج.
نحن إذا في عنق الزجاجة. وفي الانتظار المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية تتفاقم، وفضيحة التهريب تتفاقم، من الزهراني وصولا إلى الحدود اللبنانية- السورية. فهل كتب على لبنان الذي يشارف الإفلاس أن يدفع أيضا ضريبة الرغبة السورية في قضم ما تبقى من خيراته، ولو من بعيد وبالريموت كونترول هذه المرة؟.