الإرباك سيد الموقف سياسيا وتربويا وصحيا. سبب الإرباك السياسي مبرر: عدم وضوح الصورة الحكومية، بانتظار معرفة ما ستسفر عنه مبادرة الرئيس سعد الحريري. والمبادرة الحريرية انطلقت مبدئيا عصر اليوم مع اجتماع الرئيس الحريري برؤساء الحكومات السابقين، وتنطلق غدا عمليا وفعليا عبر زيارتين يقوم بهما الحريري إلى بعبدا وعين التينة. وعليه، فإن مواقف الأطراف المختلفة ستتبلور بدءا من الاثنين وصولا إلى الأربعاء المقبل، أي عشية الإستشارات.
هذا عن الاتصالات، فماذا في المواقف الأساسية؟، أوساط الرئيس ميشال عون تعلن أنه لا يعارض مجيء سعد الحريري لكن له شروطه. فإذا وافق عليها الحريري يسير به الرئيس عون، وإذا لم يوافق الحريري على الشروط فإن عون لن يوافق عليه.
توازيا، موقف الثنائي الشيعي لا يوحي أن مهمة الحريري ستكون سهلة. فأوساطه تؤكد أنه مصر على وزارة المالية وعلى تسمية وزرائه، وعلى أن يكون هناك تمثيل واضح ل”حزب الله”. كما أن الأطراف السياسية الأخرى تعلن صراحة أنه في حال قبول الحريري تسمية الثنائي الشيعي لوزرائه، فإنها ستطالب أيضا بتمسية وزرائها.
المواقف المذكورة تدل على أن مهمة الحريري ليست نزهة، وأن عودته إلى السرايا محكومة باعتبارات كثيرة، قد لا يتقبلها أو قد يعتبر أنها لا تناسبه، كما لا تتناسب ومواقفه السابقة المعلنة من المبادرة الفرنسية. فهل ينجح الحريري عبر مشاوراته في كسر الجمود، وفي إعادة الحياة إلى المبادرة الفرنسية الموضوعة في غرفة الإنعاش، أم أن التعقيدات الإقليمية والدولية ستكون أقوى فيؤجل الرئيس عون استشارات الخميس، أو يجتاز الحريري امتحان التكليف لتتعقد مهمته في التأليف؟.
الإرباك السياسي، على أهميته وخطورته، لا يقارن بالإرباك التربوي- الصحي. غدا تفتح المدارس أبوابها لصفوف البروفيه والبكالوريا بقسميها، في ظل ظروف أقل ما يقال عنها إنها غير طبيعية بل غير منطقية. يكفي أن نعرف أنه وبالتوازي مع القرار العشوائي لوزير التربية بفتح المدارس، اتخذ وزير الداخلية قرارا بعزل 169 بلدة ومدينة. وهذا يعني أن المدارس في 169 بلدة ومدينة لن تفتح أبوابها في الأسبوع الأول من العودة إلى المدرسة، كما أن التلامذة والمعلمين وأفراد الهيئة الإدارية الذين يقطنون في المدن والبلدات المعزولة، لن يتمكنوا من الذهاب إلى مدارسهم إذا كانت موجودة في أماكن أخرى.
على أي حال، قرارالعودة إلى المدارس ككل، يجب أن يعاد درسه من جديد. إذ بأي منطق يصدر وزير التربية قرارا بفتح المدارس، فيما وزير الصحة يحذر من الاقتراب من النموذج الإيطالي في ما يتعلق بقدرة المستشفيات على الاستيعاب؟. كذلك، عندما كانت نسبة الإصابات لا تتجاوز 8 في المئة اتخذت الوزارة قرارا بإقفال المدارس، فكيف يتخذ قرار معاكس اليوم بعدما أصبحت نسبة الإصابات بالكورونا 10 في المئة؟. ولعل القرار غير المفهوم هو ما دفع وزير الصحة الأسبق وائل أبو فاعور، إلى دعوة وزير التربية للعودة عن قراره الذي تعوزه الفطنة والحكمة، كما قال.
فماذا سيحصل غدا؟: هل يطبق القرار- المسخرة بحيث يبدأ تلاميذ عامهم الدراسي فيما يحرم تلاميذ آخرون ذلك؟. كل شيء جائز في بلد الغرائب والعجائب، وفي جمهورية منكوبة ب “عبقرية” مسؤوليها قبل أن تكون “مضروبة” بجائحة كورونا.