نهض رئيس المستقبل من فراشه باكرا، ارتشف قهوته الصباحية اتكل على الله وتوجه الى بعبدا وقد كلف نفسه عناء و مخاطر أن يطرح نفسه على الطبقة الحاكمة كمشروع رئيس مكلف. مهما كثرت التحليلات الناقدة أو المؤيدة لخطوة الحريري، يجب الاعتراف له بأنه سجل سابقة جديدة في طقوس التكليف،
انطلقت من الخواء الذي وقعت فيه عملية التأليف بعد استقالة مصطفى أديب، و من خطورة الأحوال السياسية والاقتصادية والمالية والصحية والاجتماعية في البلاد إثر محاولة إغتيال مبادرة الرئيس ماكرون.
نقاط القوة في المبادرة أن لا مرشح صالحا بديلا من الحريري. وهو اعتمد تكتيك رابح – رابح : إن حظي بالتكليف يكون عاد الى الحلبة السياسية على حصان أبيض، وإن لم يحظ يكون حشر السلطة في زاوية الحلبة، مرة لأنها غير راغبة في تشكيل حكومة مع ما يعنيه الأمر في هذه الظروف الكارثية، ومرة لأنها غير قادرة، فيكشف عريها، خصوصا أن الحريري لم يبتدع جديدا، بل يتسلح بمشروع ماكرون الذي وافق عليه معظم الحاضرين حول طاولة قصر الصنوبر.
أما نقطة الضعف في ما قام به الحريري، أنه أدخل نفسه إراديا في فخ السلطة بقيادة حزب الله، الذي قد يرفضه بالمطلق، أو يقبل بتكليفه ومن ثم يغلق في وجهه ابواب التأليف فيكون احرقه وألحقه بدياب وأديب، إضافة الى أن مناورات التكليف والتأليف أو التفشيل ، ستطول ولبنان يلفظ أنفاسه الأخيرة. ولعل المؤشر الاول على مقبولية المبادرة من عدمها قد يتجلى في تأجيل موعد الاستشارات الخميس
وانطلاقا من صعوبة أن يتمكن الحريري من إقناع الثنائي والرئيس عون بتركه يشكل حكومة اختصاصيين غير حزبيين تحظى برخصة عمل صلاحيتها ستة أشهر، أو أن يقتنع هو بشروطهم، بدأ الكلام عن تخريجة بهلوانية تقول إن الحريري وبقبول فرنسي ضمني، سيتيح للثنائي والتيار الحر تسمية وزراء يثقون بهم شرط ألا يتبعون لهم لا سياسيا ولا تشغيليا .
توازيا، الاهتراء المؤسساتي انفجر بين رئاستي الحكومة والجمهورية، على خلفية اعتراض الأولى على انفراد القصر الجمهوري بتسمية أعضاء الوفد المفاوض الى ترسيم الحدود مع اسرائيل.
دوي الانفجار وصلت أصداؤه الى مسامع ديفيد شينكر الذي يصل بيروت لرعاية أولى جلسات التفاوض، والى مسامع الإسرائيلي الذي يريحه حصول المزيد من التفكك اللبناني.
هذه الهموم تبقى مقبولة أمام الكارثة الناجمة عن الانتشار الكبير والمقلق لفيروس الكورونا، والذي دفع الحكومة الى إقفال عشرات البلدات سعيا الى الحد من توسعه .
هذا التدبير الذي أثار تململا في الأوساط الشعبية والاقتصادية، اعتبرته السلطات الصحية الممر الإلزامي والوحيد لمنع النظام الصحي من الانهيار، خصوصا أن أسرة المستشفيات ووحدات العناية الفائقة امتلأت .
ولم تخف السلطات تخوفها من تكرار النموذجين الإيطالي والإسباني عندنا، الأمر الذي لا تتحمله البلاد، لا ديموغرافيا ولا اقتصاديا. ودعت السلطات الصحية اللبنانيين الى أخذ الخطر الناجم عن الفيروس على محمل الجد وأحترام شروط الوقاية.