17 تشرين الأول 2019- 17 تشرين الأول 2020. عام كامل انقضى على بدء الانتفاضة الشعبية. أهداف عدة تحققت، وأهداف أخرى لم تتحقق. لكن الأكيد أن الأهداف التي تحققت تبقى أقل بكثير من حالة الرفض التي أظهرها الشارع، ومن الحشود الهائلة التي توزعت لأشهر طويلة على ساحات الوطن. والسبب واضح: فالطغمة الحاكمة المتحكمة في شؤون البلد منذ أكثر من ثلاثين عاما لم تستسلم. انحنت أمام العاصفة، وأمام المد الجماهيري الهائل، لكنها في المقابل تشبثت بمكتسباتها ولم تتخل عن أي واحدة منها.
بدهائها عرفت الطغمة الحاكمة كيف تحافظ على مواقعها، وبمكرها عرفت كيف تفرغ الحراك على الأرض من جزء من وحدته وديناميته وفاعليته. ثم جاءت جائحة كورونا لتقدم للسلطة الحاكمة أكبر خدمة ممكنة. تراجع الحشد الجماهيري في الشارع، ولم تعد الساحات تضج بالجماهير النابضة والغاضبة.
لكن تراجع الحشد في الشوارع، لا يعني تراجع الغضب. فالغضب ازداد، والنقمة تفاقمت لأن تصرفات السلطة من عام إلى الآن لم تتغير في العمق، ولأن الوضع تراجع كثيرا وازداد سوءا.
قد تكون الانتفاضة لم تنجح في تحقيق كل أهدافها، لكنها على الأقل أوجدت رأيا عاما يراقب وينتقد ويسائل ويحاسب. وأكبر دليل على نجاحها في ذلك، أن قوى السلطة صارت في موقع الدفاع وهي تقبل بكل شيء إلا بانتخابات نيابية مبكرة. وهل أفشل من سلطة وحكام يخافون من انتخابات لأنهم يعرفون مسبقا رأي شعبهم بهم؟.
الموقف الأبرز في ذكرى الانتفاضة جاء من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي رأى أن الرسالة التي وجهها الناس منذ سنة إلى الحكام واضحة ولا يمكن إنكارها، وأن العمل كالمعتاد غير مقبول. وقد اعتبر كثيرون أن عبارة بومبيو “العمل كالمعتاد”، فيها إشارة إلى الطريقة التي تدار بها عملية تشكيل الحكومة، وخصوصا أن ممارسات السياسيين لا تزال هي هي، والمحاصصة الحزبية والفئوية عادت للتحكم في الاستحقاق الدستوري الذي كان يراد منه أن يشكل مدخلا إلى الاصلاح الحقيقي، وأن ينقذ لبنان مما يهدده.
على أي حال، تشكيل الحكومة لم يتقدم اليوم، ولا شيء يدل على أن العلاقة بين الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل تسير في الاتجاه الصحيح. فالمساعي التي تبذل على أكثر من مستوى لتحقيق لقاء بين الرجلين، لم تحقق أي نتيجة إيجابية حتى الآن. فهل صحيح أن عرقلة تشكيلة الحكومة متوقفة على لقاء لا ينعقد بين الحريري وباسيل، أم أن الأمر معقد أكثر من ذلك بكثير، وهو على ارتباط بحسابات استراتجية محليا واقليميا وربما دوليا؟.
في الانتظار، شعلة الثورة أضيئت في المرفأ، فمتى يضاء طريق المستقبل أمام اللبنانيين؟.