وكأن لا ثورة حصلت مدى عام كامل، وكأن لا احتفال جرى أمس بمرور سنة على غضبة السابع عشر من تشرين. بلى سيد بومبيو، الأعمال تسير كالمعتاد business as usual، على ضفة السلطة. فقد قفز رئيس هذا التيار على الثوار ملتحقا بصفوفهم متبنيا طروحاتهم، وذاك الرئيس مد يده لمصافحتهم وملاقاتهم في منتصف الطريق، على طريقة دعوة الواوي الديك إلى العشاء. نعم بهذه المناورات المكشوفة الموصوفة لاستيعاب الثورة وحرفها عن مسارها، تتحرك السلطة.
وبما أن الحل الداخلي بات متعذرا بسبب ما تقدم، فإن أجواء بعض القيادات العليا المؤثرة المطلعة على مخاض التكليف، تسرب بأن الرئيس سعد الحريري قطع نصف المسافة التي تفصله عن أن يكون رئيسا مكلفا تشكيل حكومة المهمة الخميس، بعدما تم تزويده بجناحين، أميركي وفرنسي، سيمكنانه من عبور حقل الألغام الذي زرعه له الثنائي عون- باسيل ب”قبة باط” من “حزب الله”. هذا الدعم يترافق مع ضغوط حثيثة ومساع جدية لإنجاح عملية التأليف، مع الأفرقاء الذين لا موقف مبدئيا رافضا لتكليف الحريري.
هذا الجهد، لم يكن ديفيد شينكر بعيدا منه، ولا اللواء عباس ابراهيم الذي ناقش معضلة التأليف مع الإدارة الأميركية إلى جانب المهمة الإنسانية- الأمنية الأخرى، وتضيف المعلومات أن ليس عرضيا توجه ابراهيم إلى باريس بعد الولايات المتحدة، بل هو يصب في الإتجاه نفسه.
الإنفصال المرضي الكامل لأهل السلطة عن الأوضاع المالية والاقتصادية وتداعياتها على الوضعين الاجتماعي والأمني، وجائحة كورونا التي لا تكف عن التوسع، ووصول الشعب إلى حافة الفقر المدقع والجوع، وعدم إصغاء السلطة إلى مناشدات الناس وصرخات الثوار، هذا التخلي الرسمي وتلهي أهل الحكم بخلافاتهم وأطماعهم، دفعا المؤسسات الأممية والإنسانية والدول الصديقة إلى منح لبنان الشعبي لا الرسمي، فرصة جديدة للخروج من الأزمات المستعصية الوجودية التي دفع اليها ويدفع ثمنها.
من هنا ترى مصادر سياسية مطلعة بأن هناك شبه استحالة لتأجيل الاستشارات الخميس في بعبدا، إلا إذا طرأ ما يستدعي قرارا انقلابيا جديدا من العهد على نفسه بتطيير الاستشارات، خصوصا بعدما استنفدت كل الحجج التي سيقت لتبرير التأجيل الأول، ولأن بداية الإنقاذ تبدأ حكما بتشكيل حكومة. ولا تخفي المصادر نفسها ريبة جدية من نية كامنة لدى “حزب الله” باستدراج الحريري إلى فخ التكليف، ومن ثم يمطره بالشروط والعقبات لحظة دخوله مرحلة التأليف. من هنا التعويل على الاتصالات الدولية المكثفة، من الآن إلى الخميس لإزالة هذا الاحتمال القاتل.
في الانتظار، الهيئات الاقتصادية تستصرخ ضمائر الحكام، المدارس تترنح بين الفتح المحفوف بالمخاطر والإقفال غير المجدي، ووزارة الصحة الحائرة بأمرها تجدد إقفال عشرات المدن والبلدات بعدما نقحت لائحتها وأضافت اليها مدنا وبلدات جديدة، من دون أن نعرف ماذا حققه قرار الإقفال من نتائج، لا سلبا ولا إيجابا.