بعدما تجرأ متابعو الطبخة الحكومية على الرهان بأن أمر تكليف الرئيس سعد الحريري لا بد ان يتم الخميس، إنطلاقا من هذه الرؤيا، ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان، فإن اللبنانيين والدول المهتمة بالشأن اللبناني، بدأوا يتفرغون منذ الآن للقلق على عملية التأليف وسط شكوك متعاظمة من أن يتوقف المسار الإيجابي عند هذا الحد، لتبدأ مهمة الرئيس الحريري تتعرض لأطماع الداخل وللكباش الاميركي-الإيراني .
بمعنى أوضح، أن تتعرض مهمته للتقلبات التي يمر فيها المسار التفاوضي الملتبس بين طهران وواشنطن، فإذ يجمع المطلعون على أن تكليف الحريري هو geste إيراني أو ضريبة دفعها الإيرانيون مرغمين.
يخشى هؤلاء من أن تكون طهران تنتظر في المقابل بدلا من واشنطن، قد لا تكون الأخيرة راغبة في تقديمه فيتعطل كل شيء، ولا ننسى في هذه العجالة أن ما يهم واشنطن وطهران، وبالتالي حزب الله هو ترسيم الحدود، وليست الحكومة في مسارهم سوى ورقة خاضعة للتجاذبات، بعكس فرنسا التي ترى في تشكيل الحكومة إنقاذا للبنان ولهيبة الرئيس ماكرون الذي راهن بكل أوراقه وكرامته وسمعته في المطب اللبناني.
مما تقدم فإن الفرج لأزمتنا، إما يأتينا من الخارج، أو تسد في وجوهنا سبل الإنقاذ وذلك لثلاثة أسباب : تسليم السلطة مقدراتها لحزب الله، المحاصصات الرخيصة فيما لبنان يحتضر، وقصور المعارضة عن قلب المعادلة.
وللدلالة على صحة هذا الاستنتاج، يكفي النظر الى الجلسة التشريعية التي شهدها مبنى المجلس النيابي الموقت في الأونيسكو، حيث توافقت القوى السياسية على ملء الشواغر التي نجمت عن استقالات النواب في اللجان وفي أمانة السر، ومن ثم وقع الخلاف وطار النصاب عندما حاول رئيس المجلس إمرار قانون العفو العام، التي كانت الجلسة التشريعية السابقة طارت بسبب عدم التوافق عليه .
وبما أن الشعبوية والطائفية والمحاصصة لا تصلح المخرب ولا تعالج الملفات المأسوية التي يشكو منها اللبنانيون، و لا تأتي بالخبز ولا تداوي مريضا، فإن البلاد السائبة من دون حكومة تحكم ومجلس نيابي يشرع.
ها هوالاقتصاد يتهاوى، وأموال الناس مفقودة، وإن وجدت فهي خسرت قيمتها أمام الغلاء المستشري.
والأخطر، أنه بعدما أعلنت المستشفيات أمس تجاوز طاقتها الاستيعابية كل الخطوط الحمر، إعلنت نقابة مستوردي المستلزمات الطبية أنها ستبدأ باستيفاء كل مستحقاتها السابقة واللاحقة لدى وزارة الصحة والمستشفيات الخاصة والحكومية والطبابة العسكرية والأمن الداخلي، نقدا بالليرة اللبنانية بنسبة 85 بالمئة وال 15 بالمئة المتبقية بالعملة الاجنبية، واصفة قرار وسيط مصرف لبنان الأخير “بالقشة التي قصمت ظهر البعير”.
والسؤال المحرق الآن: ايتها السلطة: بعد تفريطك بأرزاق الناس وأموالهم والتسبب بانهيار القطاعين التربوي والاستشفائي وأقفلت ابواب الهجرة، هل من بين رجالك من يستثمر ويوظف أمواله الحلال في قطاع المدافن و القبور؟