شكلا ومضمونا، ما قاله اليوم الرئيس ميشال عون جديد وغير مسبوق في تاريخ الجمهورية، إذ لم يحصل أن تحدث رئيس جمهورية إلى الإعلام عن عملية تكليف رئيس الحكومة قبل أقل من أربع وعشرين ساعة على بدء الإستشارات النيابية. كما لم يسبق أن وجه رئيس للجمهورية كلمة إلى اللبنانيين ثم أتبعها مباشرة بدردشة مع الصحافيين.
ملاحظتان شكليتان، لكنهما تعبران عن أمرين فائقي الأهمية في الجوهر:
الأول: شعور الرئيس أن الكلمات المدروسة والمدوزنة في الخطاب الرسمي لا توصل كل أفكاره، وأنه يريد أن ينطلق منها متخطيا العموميات وصولا إلى التفاصيل والتسميات.
الثاني: رغبة لدى رئيس الجمهورية في تحميل القوى السياسية مسؤوليتها أمام الشعب، ربما لمعرفته أن توجهات معظم هذه القوى لا تلتقي مع توجهاته في ما يعتقد أنه صواب.
في الحالتين الرسالة وصلت، وهي رسالة غنية في المضمون، ومحملة بالدلالات والرسائل السياسية.
فعون أعاد خلط الأوراق ليس السياسية فحسب بل الوطنية أيضا، إذ أعلن فشل النظام وسقوطه، حتى أنه نعى النظام عندما قال: “لا التشريع بإيدي ولا التنفيذ بإيدي، والكل عم بيحاسب العهد وصلنا الى ال finich” .
فماذا بعدما نعى رأس هرم النظام النظام؟ هل نحن على أبواب تشكل نظام سياسي جديد؟ أم أننا أمام مرحلة دقيقة وخطرة وطويلة من اللانظام والفوضى؟
في الشأن الحكومي، كلام الرئيس عون واضح لا لبس فيه. فهو سلم ضمنا وعلى مضض، بأن الرئيس الحريري سيكلف. لكنه بالمقابل كان واضحا بانتقاد أداء الحريري و بافهامه ان مهمته لن تكون سهلة، بل صعبة جدا.
فالتكليف سينعكس على التأليف كما قال عون. وصعوبة التكليف تبدأ من الرقم الذي سيحصل عليه الحريري غدا اثر عملية المشاورات.
فعمليات البوانتاج المختلفة تشير الى ان الحريري لن يتمكن من تخطي رقم الستين صوتا الا في حالتين: اذا تدخل حزب الله لاقناع بعض حلفائه لتعديل موقفهم، او اذا صبت اصوات نوابه مباشرة لمصلحة تكليف الحريري. فهل يقدم الحزب على احد الامرين، ام انه يفضل ان يأتي الحريري الى رئاسة الحكومة ضعيفا و بعدد غير كبير من الاصوات؟
وفي هذه الحال، هل سيرضى الحريري بأن يحصل على اقل من نصف عدد نواب المجلس؟
في التأليف الامور اصعب بكثير. اذ كيف يوفق الحريري بين وعده للثنائي الشيعي وبين مناداة المبادرة الفرنسية بحكومة اختصاصيين لا يتدخل فيها السياسيون؟ بل كيف سيوفق بين مندرجات المبادرة الفرنسية وبين رفض حزب الله شروط صندوق النقد الدولي وتحرير سعر صرف الليرة ورفع الدعم؟ والاهم : كيف سيتمكن من تأليف الحكومة اذا ظلت العلاقة مقطوعة بينه وبين التيار الوطني الحر؟ فهل يمكنه ان يحقق مطالب الثنائي الشيعي ووليد جنبلاط وان يهمل مطالب التيار؟
اسئلة برسم الحريري الذي يعيش ساعات مصيرية في حياته السياسية وفي حياة لبنان. فهل نصبح غدا بين نارين: نار أزمة حكومية مفتوحة ونار أزمة النظام، وبين الأزمتين والنارين: الى اين المفر؟