إذا سلمنا جدلا بأن الثورة انتهت ومعها سقطت الأطر السلوكية التي فرضتها على الطبقة الحاكمة لتشكيل الحكومات ، وإذا صدقنا بأن فرنسا خففت من شروطها على القوى السياسية لعجزها عن فرض المواصفات الصارمة لجهة حياد الوزراء، وحذت حذوها واشنطن المهتمة بالترسيم و المنشغلة بانتخاباتها الرئاسية الآن.
إذا صحت هذه الفرضيات، فهذا يعني ألا شيء بقي من سطوة الثوار وهيبة الراعيين الدوليين، سوى إمساك الثوار بورقة الرفض، والراعيين بورقة فتح حنفيات المساعدات التي يحتاجها لبنان أو إقفالها إن لم تأت صورة الحكومة العتيدة بالمواصفات المطلوبة.
هذا الواقع، وهو الأقرب الى الحقيقة، يعني ألا شيء يحول دون تشكيل الحكومة الحريرية الرابعة اليوم قبل الغد، وقد توسعت أمامها هوامش التشكيل المنطلقة من المحاصصات التقليدية المعروفة مع الإبقاء على الاختصاص. المعلومات القليلة التي تخترق جدران الصمت تفيد بأن عملية التشكيل تجاوزت أكثر من منتصف الطريق، لكن نصفه الثاني وعر مفخخ. فالثنائي القابض على القرار الشيعي، ثبت حقيبتي المال والصحة له وأخرج نفسه من دائرة المداورة على الحقائب، مضيقا هامش المناورة امام الرئيس الحريري.
فالرئيس المكلف ، وإن كان مرتاحا في تعيين الوزراء الدروز والسنة إلا أن ضرب المداورة وضعه أمام مشكل حقيقي مع الشريك المسيحي، إذ بات يتعين عليه إقناع الرئيس عون وجبران باسيل بالمداورة على الحقائب المتبقية أو سيجد الحريري نفسه مرغما على التخلي عن حقائب نوعية من كيسه لإسترضاء الرئيس والصهر وإلا تعثر التأليف
ولا تتوقف مشاكل الحريري عند هذا الحد، إذ بات يواجه حالة مسيحية لا يمكن تجاهلها، يقودها البطريرك الراعي، عنوانها العريض، أن التمثيل المسيحي لا يحتكره المشاركون في السلطة، فالقوات التي لها تمثيل نيابي وشعبي وازن إضافة الى المسيحيين المستقيلين من السلطة كالكتائب وأولئك المستقلون أو المنضوون في الثورة، يشكلون أكثرية موصوفة، لا يمكن الحريري أن يدير ظهره لها.
فهؤلاء, وإن لم يتمثلوا في حكومته ، هو ملزم بإختيار الوزراء الذين لا يستفزوهم والذين يمثلون وجدانهم وأحلامهم بإدارة نظيفة إصلاحية سيادية تعمل على تحقيق مشروع اللامركزية الموسعة ، أولى الخطوات نحو الحياد.
إذا، الحريري هنا ومخاض التأليف هنا، وهو أمام مفترق مصيري : إما أن يقنع الثنائي بالتراجع, وإما يقنع عون والتيار بالرضوخ، إما يتنازل عن نوعية حقائبه وعن المبادىء التي التزم بها داخليا وخارجيا فيجد نفسه أمام “ديابية ” ثانية، أم تغرق عملية التأليف في وحول المماحكات. أما الاحتمال الرابع، أي الاستقالة، فغير وارد كما جزم الحريري وقد ذكر من يعنيهم الأمر بنصفه العراقي العنيد .
كل هذا، والبلاد تواصل غرقها إقتصاديا وماليا وصحيا وتربويا وأمنيا واجتماعيا. ولم يكن ينقص الجزر اللبنانية المنكوبة سوى الغرق تحت موجة النفايات التي عادت ترتفع، نتيجة الإهمال الرسمي وجفاف الأموال من خزائن الدولة . كان الله في عون لبنان