إذا أحلنا الأجواء الإيجابية المسوقة عن تذليل العقد، الواحدة تلو الأخرى، وعن الإقتراب من إعلان الحكومة الحريرية الرابعة . إذا أحلنا هذه الأجواء إلى تجارب التأليف السابقة ، أو إلى سوابق التأليف ، يكون لنا الحق بالتردد والخوف من الإغراق المجاني في التفاؤل ، كي لا نوقع أنفسنا واللبنانيين في مطب الإحباط الذين لا يطيقون تذوقه من جديد وهم فيما هم فيه من مصائب. وإذا أحلناها الى الواقع اللبناني المزري المهترىء الذي يحتم على القوى السياسية التعجيل في التأليف سعيا لما يمكن إنقاذه من أنقاض لبنان ، يفترض أن يكون تفاؤلنا محسوبا وحذرا لأن داء الأنانيات لا يزال يسابق الكورونا على الفتك بالناس والدولة، والعوارض لا تزال ظاهرة واضحة على تصرفات القوى المعنية بالتأليف، إن لجهة الفجع على الحقائب السيادية، ولا سيادة ، أو على الحقائب الدسمة وقد أصبحت الدولة ووزاراتها وخزائنها “جلدة وعضمة”.
وإذا أحلنا موجة التفاؤل إلى كلام الرئيس بري الذي أعلن اليوم أن الحكومة قد ترى النور خلال أربعة أو خمسة أيام ، إذا بقيت الأجواء إيجابية ، فواجب التحفظ هنا يأخذنا إلى الإعتداد بشرطية كلام بري وليس بإيجابيته ، إذ معروف أن كلام رئيس المجلس في مثل هذه الظروف ، قد يكون كلام حض أو كلام تحذير أو كلام تخدير. لأن الروائح التي تنبعث حتى الساعة من مطابخ التأليف تشير إلى أن الأمور لا تزال في مرحلة هندسة حجم الحكومة ونوعية الحصص وكيفية توزعها ، وهذا بحق حقل الألغام الحقيقي، الذي يمر به مخاض التأليف.
في هذه الأجواء ، أنعقدت الجولة الثانية من مفاوضات الترسيم بين لبنان وإسرائيل في الناقورة ، وقد انتقل البحث اليوم من البروتوكولي الشكلي الى التقني وفي العمق. وإذا كان الترسيم مع إسرائيل قيد الإنجاز ، فمتى تنتهي الدولة من فرض هيبتها داخليا على حدود دويلة الحزب النقالة المطاطة، فترسم حدودها معه حماية للبنانيين المؤمنين بالشرعية.
فقد تعرض الصحافيون اليوم في الناقورة ،المفترض أنها تحت سيادة الشرعية، للتهديد والطرد اثناء تغطيتهم مفاوضات الترسيم ، وقد صدقوا عن طيبة أو بالأحرى عن سذاجة أنهم على أرض دولتهم وفي حماها.
توازيا لبنان الآخر يتقلب على نار الفضائح التي توسعت وتزينت بفضيحة امتحانات الطب في الجامعة اللبنانية ، كما يتقلب على نار الأزمات المتنوعة التي صارت صحننا اليومي المر.
فالكورونا على انفلاشها، و الدواء يزداد ندرة والمستشفيات والمدارس تترنح بين الفتح الجزئي و الإقفال الكلي، وأسعار السلع الأساسية باتت تحلق أعلى من قدرات معظم اللبنانيين. والأنكى هو الاستسلام الرسمي والتواطؤ مع الفلتان بحجة انتظار تشكيل الحكومة، فيما القوانين والتشريعات موجودة في الأدراج ولا تنتظر سوى من يطبقها في الادارات والوزارات من دون الحاجة الى حكومة . هذا الأداء المقزز يحصل تحت أعين المجتمع الدولي وصندوق النقد، والدول المانحة واللبنانيين الذي يئنون جوعا. هذه المؤشرات السلبية المتراكمة إن استمرت ستتجاوز طاقات أي حكومة مقبلة على حلها، وستصبح عملية النهوض أصعب وأطول وأكثر إيلاما.. ولا من يخاف الله