كل شعوب العالم ودوله، عين على الولايات المتحدة وعين على شؤونها المحلية، إلا لبنان، الذي فتح عينيه الإثنتين على القوة العظمى وأوقف تأليف حكومته وجلست شعوبه المنقسمة، قسم يراهن على مجيء جو بايدن الممانع، وقسم على دونالد ترامب المتخرج من مدرسة 14 آذار. نعم إن اللبننة بمعناها العبثي تتجلى في أبشع مظاهرها من خلال الاهتمام بالاستحقاق الأميركي فيما نحن نضيع كل استحقاقاتنا الوطنية والدستورية والديموقراطية، ونمعن فيها تشويها وتسخيفا وتمسيخا حتى وصلنا الى ما نحن فيه، شعب جائع، سلطة فاجرة ووطن ضائع.
والدليل الإضافي على فقداننا البوصلة، ان السلطة عندنا، وبدلا من أن تمنح نفسها غير المستحقة ترف الرهان على نتائج الانتخابات الأميركية كان حريا بها ان تعمل بجد لكي تنجز تأليف الحكومة قبل الثالث من تشرين. وغني عن الشرح أن المصلحة اللبنانية العليا كانت تقتضي حكومة مكتملة الأوصاف من اختصاصيين غير حزبيين تطبـق الورقة الإصلاحية الفرنسية، الأمر الذي كان لينتشل لبنان سريعا من أزماته ويعطي مؤشرا على أنه بات جاهزا لإجراء الاصلاحات الضرورية التي تفتح أمامه أبواب التمويل والنهوض من الأزمة الكارثة التي يتخبط فيها
ولتبيان بشاعة ما نحن فيه، فقد انتقلت السلطة من مرحلة الخلاف مع سعد الحريري على إجهاض المشروع الفرنسي، الى مرحلة تنظيف ما بقي من حلم الشعب بحكومة تشبه ثورته، الى مرحلة إعادة المفهوم القديم والمقيت للمحاصصة كأساس لتأليف الحكومات. والآن نحن امام حقيقة أنه قد يكون لنا حكومة ترضي أهل السلطة، لكنها لن ترضي الناس ولن ترضي الرعاة الدوليين. فهؤلاء وفي مقدمهم فرنسا، تساهلوا وخففوا بعض شروطهم لكنهم لن يقبلوا بالانقلاب الكلي عليها ومن ثم نذهب اليهم طالبين المساعدة وكأننا طلاب نجباء.
الرئيس الحريري الذي استشعر خطورة ما يطمح اليه شركاؤه في التأليف، ضغط رافضا الانجرار وراء مطالبهم التي تعيدنا الى مرحلة ما قبل الثورة وما قبل ورقة ماكرون، ولوح بالاستمرار في التكليف متمسكا بالورقة الفرنسية، أو الاستقالة من التكليف ما سيكشف حزب الله ويزيل آخر ورقة إنقاذ للعهد والبلاد. أمام هذا الواقع طرى الرئيس عون وباسيل موقفهما وتراجع حزب الله تكتيكيا، وأوقف التكتكة والمزايدة، خصوصا أنه حصل على كل ما يريد. فعاد الكلام بعد لقاء الأمس بين عون والحريري في بعبدا عن إيجابيات، ولكن محفوفة بالكثير من الشكوك المطبات، إن تم تجاوزها قد ترى الحكومة النور على مشارف نهاية الأسبوع.
في القاطع الآخر، الشعب ينهشه الجوع والمرض والإقفالات العشوائية للمناطق والأرزاق، وتذله القرارات غير المقرونة بمراسيم تطبيقية والوعود التي لا تنفذ ولا تحترم، شعب حائر متروك لجشع وطمع وتهديد هذا وذاك .. حرام لبنان.