إقفالان خانقان تتجه البلاد بعكازتيها مترنحة الى مواجهتهما. الإقفال الأول هو الذي أوصت به اللجنة الوزارية من السبت في 14 تشرين الى الاثنين في الثلاثين منه، سعيا الى تخفيف انتشار الفيروس، والمعطيات المتوفرة تشير الى أن مجلس الدفاع الأعلى سيتبناها الثلثاء.
ولا يختلف اثنان على ضرورة اللجوء الى هذه الخطوة كمحاولة يائسة أخيرة . لكن نقاط الخلاف حول هذا القرار كثيرة وتستند الى التجارب السابقة والى معطيات ثابتة . أولها أن الدولة لا تسيطر على كامل أراضيها، وثانيها أن الشعب انتحاري لا يقيم أي اعتبار للوقاية وقسم منه يتصرف مع توصياتها كما يتصرف برعونة مع قانون السير. ثالثها، أن الدولة غير جاهزة لإدارة الإقفال الذي يتطلب لوجستيات واموالا غير متوفرة لمساعدة الأكثر فقرا من مواطنيها. رابعها، أن قوى الانتاج ، وليس موظفو الدولة من ضمنهم، لا يملكون ثمن الإقفال، وهم حذروا من أن معظمهم لن يعود الى أعماله بعد انقضاء فترة الحجر لأنها تكون أفلست. خامس المعطيات وأكثرها فداحة، أن الحكومة التي ترى كل هذه المخاطر ستترك البلاد مفتوحة للفيروس يتبضع أرواح مواطنيها حتى السبت المقبل.
أما الإقفال الثاني والأكثر فتكا، فهو الذي تتسبب به وتؤبده الخلافات السياسية العميقة المانعة لتشكيل الحكومة، وقد دخل عليها طارىء معوق جديد تمثل بالعقوبات الأميركية التي أصابت رئيس التيار الحر جبران باسيل، وسط توقعات بأن ملعب رده الأولي والأوحد عليها سيكون في الحكومة المقبلة إذ سيسعى إلى تبديل شكلها وتوجهها السياسي بما يغيظ واشنطن. وفي سياق متصل سيزيد الأمور إرباكا، ردت السفيرة الأميركية في بيروت على المؤتمر الصحافي الذي عقده باسيل أمس، إتهمته فيه بتحوير حقيقة موقفه من حزب الله، إذ قالت إن باسيل أعرب عن استعداده للإنفصال عن الحزب ، وهو كان ممتنا للولايات المتحدة التي جعلته يرى كيف أن هذه العلاقة غير مؤاتية للتيار. ولا تتوقف العقد الحكومية هنا، إذ لا يستبعد المراقبون أن يدعم حزب الله باسيل، ويضيفه إلى تصلب متوقع في موقفه من التأليف بعد نجاح رهانه على رحيل ترامب، وذلك لحسابات إيرانية صرفة.
تزامنا، موقف الرئيس الحريري المعتصم بالصمت، لا بد أن يأخذ في الإعتبار العقوبات على باسيل ، ولا يستبعد المتابعون أن يسحب الحريري اللعبة في الإتجاه المعاكس لشركائه الممانعين فيبدل هو الآخر في ذهنية التأليف وفي شكل الحكومة ودورها، ما يعني أن لبنان المحتضر قد لا يرى حكومة جديدة في المدى المنظور