إلتزام قرار الإقفال العام يمكن وصفه بالمقبول كما، أي أن نسبة المناطق المقفلة ونسبة الالتزام في هذه المناطق جاءت مرتفعة، لكن إذا دخلنا عموديا ونوعيا في احتساب نسبة عدم التقيد، فإنها كافية بالمفهوم الطبي العلمي، لنسف كل التدابير وإفقادها فاعليتها.
ولا ننسى في السياق أن الإقفال الذي صادف في نهاية الأسبوع لا يمكن الاعتداد بنتائجه كثيرا، لأن نهاية الأسبوع تشهد في الأيام العادية انخفاضا نسبيا في الحركة على الطرقات، وفي أيام الكورونا كانت نتائج الفحوصات تأتي بأعداد مصابين أقل بكثير من تلك التي تسجل في أيام العمل.
من هنا فإن ما شهدناه من تدابير والتزام نسبي مقبول بها ليس سوى تحمية، أما امتحان التقيد الوطني الشامل بها فيبدأ غدا الاثنين، وما قامت به السلطات الأمنية والبلدية، الأهلية والحزبية، من مجهود لفرض التقيد بقرار الإقفال، يجب أن يتضاعف مع بداية الأسبوع، وإلا نكون خسرنا الفرصة الأخيرة لحصر انتشار الفيروس ومنع تحوله إلى انتشار وبائي شامل، خصوصا بعدما أغرق الفيروس القطاع الإستشفائي. ونكون خسرنا إلى غير رجعة، القليل المحتضر من قطاعاتنا الاقتصادية والمالية والتجارية والصناعية المنتجة. ولا ننسى أن الفلسفة التي تدفع الحكومات إلى الإقفال، تقوم على قاعدة عالية الخطورة عنوانها: نقبل بأن نضحي قليلا ومرحليا بالاقتصاد لننقذ الإنسان، فإن لم يتقيد الإنسان نكون خسرنا الاثنين معا، ونحن في الأساس لم يتبق لنا منهما الكثير.
تدابير الحد من الكورونا ومخاطر فشلها على الواقعين الصحي والاقتصادي، لا توازي بشيء الفشل السياسي المتمادي في إنقاذ لبنان من خطر التحلل والانهيار، والناجم عن امتناع المنظومة الحاكمة عن التعجيل في تأليف حكومة المهمة. وقد انحدر بها الأمر ليلامس مستوى الجريمة المرتكبة عن سابق إصرار وتصميم في حق شعب ووطن، خصوصا أن الامتناع عن التأليف غير ناجم عن ظروف مانعة قاهرة، بل عن جشع منظومة سياسية “قهارة” قاهرة تضع مصالحها فوق مصلحة المواطن والدولة. هذه الناحية المكشوفة من الخارج المهتم بخلاص لبنان تجعله يحتقر هذه الطبقة، وقد اقتربت مرجعياته من لحظة نفض أيديها من الشأن اللبناني الموحل، ويخشى أن ترتفع مخاطر هذا الاحتمال بلقاء بومبيو- ماكرون في باريس الاثنين.
يضاف إلى ذلك أن المبعوث الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، سيضع في الساعات القليلة المقبلة الرئيس ماكرون في محصلة جولته اللبنانية، وهي بحسب ما علمت ال”mtv”، غير جيدة إطلاقا، وهو سيخجل طبعا من أن يبلغ رئيسه أن أهم إنجازات مهمته اللبنانية كان نجاحه في فرض اتصال هاتفي قسري لثوان بين رئيس “التيار الحر” والرئيس المكلف، إضافة إلى سماعه من القيادات المعنية رسميا بالتأليف، إلى كم هائل من السرديات المفتقرة إلى الصدق، وقد “حلف الجميع بشنبه” بأنه يؤيد الورقة الفرنسية، لكن العقدة تكمن عند الفريق الآخر، إن تراجع رأت الحكومة النور.
والخشية باتت عالية من أن يصدر القرار بترك لبنان لمصير أسود، فيتفرغ ساعتها لإنقاذنا من تسبب بمصائبنا.