22 تشرين الثاني 1943، 22 تشرين الثاني 2020. كل سنة في مثل هذا اليوم يحتفل اللبنانيون باستقلال وطنهم الذي تحقق قبل سبع وسبعين سنة، لكن استقلال السنة مختلف عن استقلال السنوات الاخرى، اللبنانيون هذه السنة يتذكرون ولا يحتفلون، يستعيدون الذكرى ولا يفرحون، إنه أكثر أعياد الاستقلال كآبة وحزنا في تاريخ الجمهورية غير السعيدة.
العرض العسكري غاب ولو بالحد الادنى، لا حفل استقبال في قصر بعبدا، فقط أكاليل من الزهر على أضرحة رجال الاستقلال، وقد زاد الكورونا على الكآبة الوطنية والسياسية، كآبة اجتماعية واقتصادية، المحال والمؤسسات مقفلة، الشوارع مقفرة، والمدن والبلدات لا حياة فيها.
هكذا بدا لبنان في استقلاله السابع والسبعين معلقا بين فيروسين: فيروس الكورونا وفيروس المنظومة الحاكمة، لكن الفرق بين الفيروسين شاسع، الكورونا يقتل أشخاصا ولو بأعداد كبيرة أحيانا، أما فيروس المنظومة الحاكمة فقتل ويقتل كل يوم شعبا بأكمله.
مدة المرض خلال الاصابة بالكورونا تتراوح بين اسبوعين أو ثلاثة، أما فيروس المنظومة الحاكمة فيتحكم بمفاصل حياتنا منذ ثلاثين عاما، الكورونا اكتشف لقاح له وستبدأ حملة مواجهته والتعافي منه بدءا من السنة المقبلة، أما المنظومة الحاكمة فلا لقاح لها ولا خلاص منها حتى الان على الاقل، ففي ظل مثل هذه المنظومة الفاسدة والمفسدة هل يمكن أن نضحك على أنفسنا وعلى اللبنانيين، وأن نعايدهم ونقول لهم: كل استقلال وانتم بخير؟.
سياسيا: كلمة رئيس الجمهورية في ذكرى الاستقلال جاءت حافلة بمواقف واضحة، صريحة في عدد من القضايا، فهي لم تكتب باللغة الخشبية المعتمدة في مثل هذه المناسبات في معظم الاوقات، على الصعيد الحكومي، إتهم الرئيس عون الحريري ولو من دون أن يسميه بالاستقواء والتستر بالمبادرة الانقاذية، والخروج عن المعايير الواحدة في تشكيل الحكومة، وهذا يؤكد أن العلاقة سيئة بين الرجلين والتفاهم مفقود، وبالتالي لا حكومة في المدى المنظور.
في موضوع التدقيق المالي الجنائي، أعلن رئيس الجمهورية أنه لن يتراجع عنه مهما كانت المعوقات، وأنه سيتخذ اجراءات لإعادة إطلاق مساره، ما يعني أن العلاقة بين الرئاسة الاولى وعدد من المكونات السياسية ستبقى في دائرة التصعيد والحماوة، لأن قوى سياسية كثيرة لا تريد للتدقيق أن يتحقق، لكن الموقف الأبرز لرئيس الجمهورية جاء باعلانه أن لبنان اليوم أسرى منظومة فساد سياسي وإداري ومالي، تمنع المحاسبة بالتكافل والتضامن
إنه كلام خطير ومتقدم من رئيس للجمهورية.. لكنه لا يكفي. فالشعب ينتظر من الرئيس المبادرة لا الشكوى، الفعل لا ردة الفعل العمل لا مجرد التوصيف. فهل بإمكان رئيس الجمهورية أن يقول لنا ماذا تحقق طوال سنوات عهده الماضية للقضاء على منظومة الفساد الكاملة؟ والاهم: هل بالحوار الوطني الذي دعا اليه الرئيس، يمكن ضرب المنظومة الفاسدة؟.
باختصار، نحن بحاجة الى خطة أخرى ومقاربة مختلفة، ومسؤولين غير هؤلاء المسؤولين لضرب منظومة الفساد المعششة في كل مفاصل الجمهورية .. وإلا ينطبق علينا المثل القائل: “حاميها حراميها”!.