“الجرصة”.. فيلم لبناني طويل توزع عرضه اليوم بين بيروت وباريس. في بيروت جلسة غريبة عجيبة للجان المشتركة لم تعرف بدايتها من نهايتها، ولا موضوعها الأساسي من تفاصيلها المملة، ولا كلامها العلمي الموضوعي من تصريحاتها النارية الشعبوية.
رئيس مجلس النواب نبيه بري دعا اللجان إلى البحث في ملف الدعم، من دون أي جدول أعمال واضح، ومن دون أن تكون للحكومة أو المصرف المركزي أي خطة أو رؤية أو مقاربة لما يتم بحثه. هكذا تحولت الجلسة إلى “هايدبارك” فوضوي مزعج، كما تحولت منصة مجلس النواب خارجا إلى مسرح إستعراضي ليس بمقنع، تبارى فيه النواب في ادعاء حرصهم على الشعب. كل نائب غنى على ليلاه، و”فقع” تصريحا من كعب الدست في الموضوع الذي يفضله من دون أن يكون لكلامه أي وقع على الصعيد العملي. والأنكى أن الجلسة انتهت باعتبار مسألة الدعم ووضع مقترحات بديلة لخفض الدعم من مسؤولية الحكومة ومصرف لبنان. فطالما أن الأمر هكذا لماذا دعا الرئيس بري النواب إلى الجلسة المشتركة ؟ ولماذا قبل النواب بالمجيء مسجلين رقما قياسيا في الحضور؟ وما سر تغيب حاكم مصرف لبنان عن الجلسة ما أثار غضب النواب وحاد بالجلسة عن هدفها الأساسي؟ والأهم: إلى أين سيستمر التجاذب بين السلطتين التنفيذية والإشتراعية؟ فالحكومة مترددة خائفة لا تريد أن تواجه ملف رفع الدعم، كذلك الأمر بالنسبة إلى النواب الذين يفضلون عدم تلقف كرة النار في أيديهم. ألا يعني هذا أن المسؤولين الذين استباحوا الدولة ونهبوا خيراتها، أجبن من أن يواجهوا ما اقترفته أيديهم، وأضعف من أن يعترفوا بالجرائم القاتلة التي ارتكبوها بحق شعبهم؟
رغم قوة الجرصة محليا، فان الجرصة الباريسية جاءت اقوى واقسى لأنها متعددة الابعاد والمستويات. الرئاسة الفرنسية استغلت انعقاد مؤتمر الدعم الدولي الهادف الى مساعدة الشعب اللبناني لتوجه رسالتين قاسيتين جدا الى المنظومة الحاكمة. الرسالة الاولى: كلامية، تمثلت بتأكيد الرئاسة الفرنسية ساعات قليلة قبل انعقاد المؤتمر، أن الطبقة السياسية لم تتحمل مسؤولياتها وأن الامور الى تراجع منذ انفجار المرفأ، باعتبار ان لا شيء تحقق لا بالنسبة الى الكورونا ولا بالنسبة الى التدقيق المالي والطاقة والعدل. الرسالة الثانية التي وجهتها الرئاسة الفرنسية الى المنظومة الحاكمة عملية. فهي اصرت على ان المساعدات للشعب اللبناني لا للدولة التي لا تثق بها، كما اصرت على دعوة ممثلين عن المجتمع المدني الذين سيدلون بشهاداتهم عن الاوضاع على الارض بناء لرغبة الرئيس ماكرون. فباريس تدرك تماما ان قوى السلطة لا تؤتمن على الاموال. فاللصوص وسارقو اموال الناس لا يمكن ان يكونوا هم محققو الاصلاح ولو كانوا في الحكم. كما لا يمكن لمن باعوا شرفهم ان يعطوا شرف مساعدة الشعب اللبناني. الى هنا انتهى فيلم “الجرصة” في جزئه الاول، فالى الجزء الثاني في موعد قريب، مع هؤلاء الممثلين الفاشلين الفاسدين!