لبنان الرسمي من قفص الاتهام الدولي الى زنزانة العزل ، لامتناعه المريب عن نجدة شعبه ودولته ، هذه هي المضبطة الاتهامية التي صدرت أمس من مؤتمر مجموعة الدعم في باريس . الرسائل الزاجرة واضحة في مظهر الرئيس الفرنسي وملبسه، وفي مضمون القرارات التي تلاها إثر الاجتماع .
في الشكل ظهر الرئيس ماكرون في كنزة صوفية سوداء ، col roule كتعبير عن حزن أعمق من ذلك الذي ظهر فيه خلال زيارته بيروت إثر بركان المرفأ ، وقد ارتدى يومها cravate سوداء . وكأن الرئيس الفرنسي رفض ان يظهر متأنقا أمام الشعب اللبناني الذي فقد أناقته التقليدية وإمكاناته المادية ورغبته في العيش حتى ، وقد صار أكثر من نصف عديده تحت خط الفقر المدقع . أما في مضمون قرارات المؤتمر، فقد قرئت من عنوانه القاسي : ” مؤتمر دعم سكان لبنان” وليس مؤتمر بيروت والشعب اللبناني كما في الاجتماع الأول . وطبيعي أن تأتي القرارات متناسبة متناغمة ، إذ بدا جليا أن المؤتمرين يتصرفون وكأن لا دولة في لبنان ، من هنا كان رهانهم واضحا على الشباب والمجتمع الأهلي والجمعيات غير الحكومية لإغاثة اللبنانيين وتضميد جروحهم وإعادة ترميم ما يمكن ترميمه من خراب لحق بمنازلهم ومحالهم وابواب رزقهم إثر انفجار المرفأ . والمبلغ الذي رصدته المجموعة لتأمين هذه الاحتياجات والذي قارب الـ 270 مليون دولار كان يمكن ضربه بخمسة عشرة ضعفا على الأقل لو كانت حكومة المهمة قائمة .. و الطبقة السياسية مهتمة
لكن بمزيد من الأسى واللوعة ، إن المنظومة السياسية في غير هذا الوارد على ما يبدو ، وهي فضلت الجلوس في قفص الاتهام اللبناني والدولي ، وآثرت تعميق عزلة لبنان وإغراقه في الانهيارين المالي والاقتصادي والتفكك الاجتماعي ، على أن تعطي الأولوية للمصلحة الوطنية الأسمى .
هذه المصلحة تتجلى اولا : في الحفاظ على لبنان الكيان الفريد المتميز برسالته بين الأمم الذي لا شريك لجيشه وقواه الأمنية .
ثانيا ، في تشكيل حكومة مهمة توقف النزيف اللبناني مالا وبشرا وحجرا .
ثالثا ، في وضع الأسس الصلبة والجدية لورشة إصلاح شامل لإدارات الدولة بدءا بترهلها الوظيفي وفسادها ، وصولا الى إصلاح المالية العامة والقضاء ، وإلا فالموقف الدولي بات معروفا لا لبس فيه ، والرئيس الفرنسي سيأتي قبيل الأعياد الى لبنان لتفقد قوات بلاده المشاركة في اليونيفيل ، وليؤكد أن لا مساعدات للبنان من دون تحقيق هذه الشروط ، فهل تسبقه المنظومة وتؤلف الحكومة المطلوبة ؟ لا شيء يشي بذلك حتى الساعة .
في الانتظار ، الاهتمامات الرسمية تتركز على كيفية تفعيل التدقيق الجنائي وترشيد الدعم للحفاظ ما أمكن زمنيا على احتياطي مصرف لبنان . وغني عن القول إن أفضل الحلول لن يصمد إن لم يستلحق سريعا بتشكيل حكومة . أما الاهتمامات الثانية فتتركز على مواجهة الكورونا ، لكن أي تقدم لم يحرز على هذا الصعيد طالما لم نتمكن من تخفيف عدد الاصابات بعد