ليس هناك من داع طارىء اكبر من الانهيار المالي الاقتصادي الذي انزلقنا اليه كي يلتقي الرئيس المكلف سعد الحريري رئيس الجمهورية ، وليس هناك من داع اخلاقي ملح أكثر من الدعوات المتوالية والضغوط التي يمارسها الرئيس الفرنسي وآخرها خلال لقائه الرئيس المصري، و وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذين دخلوا على خط ضبط الأوضاع المتردية في لبنان .
لا ليس هناك من دوافع أهم من هذه كي يصعد الرئيس المكلف الى بعبدا . لكن بكل اسف ، وكما كان متوقعا فإن كل هذه الضرورات لم تؤد الى استيلاد التشكيلة الحكومية الموعودة ، ولا ندري إن كان منطقيا اعتبار إعلان الحريري انه سيعود الى بعبدا الأربعاء أمرا إيجابيا قابلا للبناء عليه . فحتى الساعة كل العقد التي استأخرت ولادة الحكومة، بل أحبطتها، لا تزال هي هي ، ولا يمكن الرهان بسذاجة على أن أعجوبة ما ستحصل من الآن الى الأربعاء من شأنها تسهيل التشكيل . مما تقدم يمكن وصف تحرك الرئيس الحريري باتجاه رئيس الجمهورية، وكأنه رسالة الى عنوانين: الأول، الى الداخل الممانع، والرئيس عون جزء منه ، بأن الحريري قد يقدم تشكيلة حكومة المهمة الأربعاء مستندا الى المعيار الفرنسي الذي تلقى دعما أوروبيا قويا اليوم، وبأنه لن يعتكف ولن يستقيل. والعنوان الثاني، الى المجتمع الأوروبي- الدولي مفادها ان الحريري قام بما عليه والأزمة لم تعد عنده.
إن صح هذا السيناريو ، فإن الحريري سيكون أحبط محاولات تعويم الحكومة المستقيلة ، علما ان حسان دياب يصر على عدم عقد مجلس الوزراء كي لا تحسب عليه المخالفة ، و يكون الحريري ردع محاولات تكليف المجلس الأعلى للدفاع مهمات هي من اختصاص الحكومة . في الانتظار التخبط المالي الاقتصادي على أشده، وقد بدأت تداعياته الاجتماعية – الحياتية بالظهور . فالحكومة المستقيلة التي لم تنجح في بداياتها ، تحملها الطبقة السياسية كل كيدياتها وتواصل عبرها كل اختباراتها الصبيانية التي صارت أشبه بمسدس محشو يلهو به طفل بين رفاقه ، كلما ضغط الزناد قضى على واحد منهم . اليوم ، نعم اليوم، استفاقت المنظومة على ان هناك حكومة تصريف اعمال ، فأوكلت إليها ترشيد دعم السلع الأساسية والحياتية والحفاظ على ما تبقى من دولارات في خزائن المركزي.
والمنظومة تعلم أن تدابيرها مجرد مراهم ومسكنات لن تؤدي الى وقف نزيف الدولار ، وسيصبح معها رغيف الفقراء ومنقوشة حشو البطون الجائعة في مصاف الكافيار و”السيغار” ، من دون أن ننسى اختفاء الدواء والتهاب المحروقات وتحليق التضخم وارتفاع الأسعار . وفيما التركيز قائم على كيفية التعاون بين الحكومة والمركزي لتطبيق هذه السياسات ، استفاقت القاضية غادة عون على استدعاء رياض سلامة للاستماع اليه في قضية الدولار المدعوم غير عابئة بتداعيات قرارها ، ولو افترضنا أنه صائب ، على الوضع المالي العام في وقت تتترنح سمعة المصرف المركزي محليا ودوليا وتنهار قدراته ومخزوناته، والشعب يجوع.