آب اشتعل نيترات الامونيوم ففجر المرفأ وقسما كبيرا من بيروت. فهل تفجر التحقيقات في اشتعال الامونيوم الوضع اللبناني الهش؟.
من يراقب المشهد السياسي المعقد، ومن يستمع الى الخطب والتصريحات النارية، يتأكد له ان الوضع دقيق، وعلى حافة الخطر.
فبدلا من ان يبحث اركان المنظومة في تشكيل حكومة انقاذ، ها هم ينشغلون بتحقيق قضائي وبادعاءات اصدرها قاضي التحقيق العدلي في جريمة المرفأ فادي صوان.
قد يكون صوان على حق في ادعاءاته وقد لا يكون.
قد يكون استنسب ام لا.
قد يكون أخطأ وقد يكون أصاب…
لكن الامر برمته يندرج في اطار العمل القضائي الصرف.
ومن يرى انه مظلوم، عليه ان يلجأ الى الاليات القانونية لا الى الخطب التعبوية الشعبوية.
فمن من السياسيين يملك معطيات الملف كاملة؟ ومن من السياسيين الذين يتهمون ويبرئون يعلم حقيقة ما حصل منذ وصول باخرة الموت الى لبنان وحتى الانفجار الكبير؟. ومن ثم: كيف يسمح وزراء ونواب ومسؤولون لأنفسهم ان يهاجموا قاضيا لم يفعل شيئا، حتى الان، سوى الادعاء على بعض المسؤولين؟. اين دولة المؤسسات والقانون التي تدعون الدفاع عنها ليل نهار؟. ومن ثم من قال لكم ان الادعاء سيتحول اتهاما حتميا واكيدا؟ بل حتى من قال لكم إن الادعاءات ستتوقف هنا ولن تشمل مسؤولين آخرين؟ القليل من الهدوء والتواضع يا سادة.
فانتم جميعا فشلتم في السياسة وفي بناء الدولة. وانتم جميعا فاسدون مفسدون. فكيف للفاشلين والفاسدين المفسدين ان ينصبوا انفسهم بين ليلة وضحاها فقهاء في الدستور وعلماء في القانون؟.
في ذاك اليوم المشؤوم من آب سقط مئتي شخص على الاقل، وجرح اكثر من ستة الاف بينهم حالات حرجة كثيرة، وتهدم قسم من بيروت كما لم يتهدم طوال الحروب التي مرت على العاصمة.
ولأن المأساة كبيرة، فإن الرأي العام طالب وضغط. يكفي ان نذكر ان منزل القاضي صوان وقصر العدل في بيروت شهدا مرات عدة تظاهرات للمطالبة بعدم تمييع التحقيق وبالوصول الى الرؤوس الكبيرة.
فلماذا عندما بدأ المس بالرؤوس الكبيرة عاد بعض امراء السياسة الى اتباع سياسة التعبئة، كما عادوا الى الاستنهاض الطائفي المذهبي؟ هل هم يريدون حقا، الدفاع عن حقوق طوائفهم، ام انهم يخوضون حربا استباقية خشية وصول مقصلة العدالة الى رقابهم؟ فيا اركان المنظومة: تيقنوا ان الناس الذين ماتوا في 4 آب من دون اي ذنب اقترفوه، ليسوا مسيحيين ولا مسلمين ولا دروزا.
انهم ضحايا الاهمال والفساد. فارحموا الضحايا، فهم الان لا هويات طائفية لهم. الضحايا جميعا ينتمون الى طائفة واحدة هي طائفة المظلومين المقهورين. والمظلومون المقهورون يحق لهم بتحقيق بلا حواجز ولا قيود، وبمحاكمة بلا محرمات ولا سدود.
لذا فلتسقط بعد اليوم كل القيود والمحرمات. فليساءل الجميع من اعلى الهرم الى ادناه. وليدع على جميع المسؤولين السابقين والحاليين، وليتهم الجميع. وليحاكم الجميع. وبعد المحاكمة، لا قبلها، فليبرأ البريء ويعاقب المجرم.
فالجريمة اكبر وأهم من كل المناصب والمراكز والمسؤوليات. ويا ايها القضاء: انت مطالب بقوة بأن تواصل ما بدأته. فليس عليك ان تهدأ وتستكين قبل ان يصرخ الضحايا من تحت التراب: باسم الشعب اللبناني فليحي العدل.