حضرة القاضي فادي صوان المحترم، لا أحد يحسدك على الموقف الذي أنت فيه، قاض يسعى إلى إحقاق الحق في دولة لم يعد الحق فيها ولا العدالة أمرين مرغوبين، لما يشكلانه من نقيض للمسار الذي تساق إليه الدولة، حيث يجهد معظم من يتولى الشأن العام إلى تجريدها من هذه الصفة لمصلحة الدويلة، ولإرساء ممالك الفوضى والطائفية والعشائرية وإمارات الزواريب والأزلام.
لكن صدق أيضا سيدي القاضي، أن اللبنانيين الشرفاء وهم كثرة ساحقة، يحسدونك على المهمة التي أوكلها إليك القدر وقسمك وضميرك، إذ ليس متاحا لأي من هؤلاء الشرفاء، أن يتنكبوا للمهمتين الأسمى اللتين تضطلع بهما: الأولى، رد الحق لضحايا جريمة المرفأ، الأموات منهم والأحياء الذين هدم الإهمال والإستخفاف والتواطؤ والتواطي منازلهم وأقفل أبواب رزقهم، وأفقدهم أبناءهم وفلذات الأكباد وهجرهم من منازلهم. والمهمة الثانية، رد الإعتبار للقضاء بما هو الركن الأساس لقيام أي ملك، وبما هو سلطة السلطات التي ترد الضيم، عندما يتسلط المتسلطون على شعوبهم وتتوالى النكبات وتتهاوى الدول.
من هنا، نوجه إليك هذه الدعوة:الرجاء أيها القاضي بإسم كل الشرفاء، ألا تتراجع لأن انكسارك أمام الهجمة الشعواء التي تتعرض لها، يعني انكسار القضاء ودمار العدالة، بحيث يستحيل بعدها بناء لبنان، فلا تكن شريكا في هذه المهمة من حيث لا تريد، مع علمنا الراسخ بما تواجهه من ضغوط معنوية وإجرائية، وما قد تواجهه من مخاطر. وإن كان لنا من نصيحة نسديها إليك، فهي أن تجعلهم في موقع الخارجين على القانون، إن لم يمثلوا أمامك أو لم يستقبلوك، وأن توسع دائرة ملاحقاتك، عندها ينطبق عليك القول المأثور: “ظلم في السوية عدل في الرعية “، فكيف إن لم يكن في ما تفعله أي ظلم ؟.
توازيا، من مفاعيل هذه الجدلية العبثية حول العدالة، تبديد أي فرصة لتشكيل سريع للحكومة، كيف لا، والمتراشقون في قضية استدعاءات القاضي صوان، هم أهل المنظومة أنفسهم، الذين من تحت أياديهم يجب أن تولد الحكومة. وقد صاروا، قبل سؤالهم عن مآل الحكومة في حاجة الى من يصلح بينهم، وقد ساقوا في حق بعضهم بعضا أشنع التهم.
في هذه الظروف يستعد لبنان للإضراب العام الأربعاء، فيما الشعب الخائب يجوع، وحكومة التصريف تتخبط في تدابيرها العشوائية.