تحريك المياه الراكدة، الوصف الذي أعطي لحركة البطريرك الراعي في اتجاه الرئيس ميشال عون، يفترض في المنطق أن يعني بأن البطريرك الماروني، بما أوتي من موقع معنوي وديني، سيتمكن من تحريك الركود الذي يعتري عملية تشكيل الحكومة. لكن استفحال الخلاف بين الرئيسين عون والحريري حول الزيارة البطريركية من مسعى خير، يؤمل منه الإسراع في التشكيل، الى سبب لتحريك كمية الوحول الراكدة بين بعبدا وبيت الوسط.
فما ألمح إليه رئيس الجمهورية أمام البطريرك عن الإشكالات والتعارضات التي تباعد بينه وبين الرئيس الحريري، أسهب رئيس “التيار” جبران باسيل في شرحه في بكركي في زيارة تكميلية. وما لم تشرحه التسريبات عن مضامين اللقاء، تولاه بيان الهيئة السياسية في “التيار الحر”، التي اتهمت الرئيس المكلف بتجاوز الميثاقية ودور رئيس الجمهورية، وعدم اعتماد وحدة المعايير في التشكيل، كما لمست الهيئة وجود نية للقفز فوق التوازنات الوطنية والعودة الى زمن التهميش وقضم الحقوق، في إشارة الى حقوق المسيحيين في الطائف والدولة.
وسرعان ما رد “تيار المستقبل” على “التيار الحر” ببيان عنيف ذكره فيه بالمادة 64 من الدستور، والدور الذي تعطيه للرئيس المكلف في تشكيل الحكومات، منتقدا ما وصفه بالمعايير المركبة والمحاصصة الحزبية التي عطلت الدستور والسلطة التنفيذية لسنوات، متهما “التيار” بالإلتفاف على المبادرة الفرنسية، رافضا حملات التطييف التي يتولاها “التيار الحر” وإدعاءاته، بأن الرئيس المكلف يصر على تسمية الوزراء المسيحيين. وقد عاجلته اللجنة المركزية للإعلام في “التيار الوطني الحر” برد تضمن رؤيتها للمخالفات التي يرتكبها الرئيس الحريري في التشكيل، وأحالته على مضامين المادة 53 من الدستور.
هذا السجال إستدعى ردا من رئيس “القوات” سمير جعجع الذي رفض الإيحاءات بأن هناك “من يحصل حقوق هذه الطائفة أو تلك”، معتبرا أن هذه التصريحات ليست سوى “محاولات لشد اللحاف بين هذا الفريق وذاك، لمصالح خاصة وضيقة”.
في المحصلة، صحيح أن اللقاءين المنفصلين- المتصلين بين البطريرك والرئيس عون وباسيل، لم يحبطا سيد بكركي الذي أوفد الوزير السابق سجعان قزي للقاء ممثل الرئيس الحريري د.غطاس خوري مساء أمس، واللذين عادا والتقياه عصرا لوضعه في صورة مساعيهما، إلا أن ما تسرب من مجمل اللقاءات، يؤكد أن لا حلحلة على صعيد التشكيل، وأن البطريرك سيفشل في تعبئة مفيدة بناءة للفراغ الذي أحدثه غياب الرئيس ماكرون.
توازيا، المنظومة المتخانقة على الحكومة كمفتاح الى مكاسب السلطة ومغانمها، يبدو أنها متوافقة على تعطيل المسار القضائي في قضية تفجير المرفأ، من خلال الضغوط الهائلة التي تمارس على القضاء لتنحية المحقق العدلي فادي صوان. هجمة ائتلاف المنظومة قد لا تؤتي ثمارها إذا تمكنت محكمة التمييز ومجلس القضاء الأعلى ونقابة المحامين وجموع اللبنانيين المتضررين مباشرة وغير مباشرة من مجزرة المرفأ، من رفض كف يد صوان عن القضية. فإن فعلوا تكون السلطة القضائية سددت ضربة قاضية الى المنظومة، وقطعت شوطا كبيرا على طريق تحقيق استقلاليتها وأمنت العدالة للبنانيين في هذه القضية المحورية، وكل القضايا السابقة والحاضرة واللاحقة.