من يزرع الريح يحصد العاصفة ، في هدي هذا القول المأثور، تعاطينا في شؤوننا السيادية فخسرنا سلطة الدولة على أرضها ودبلوماسيتها وسياستها الخارجية.
هكذا تعاطينا مع شؤوننا المالية والإقتصادية، فخسرنا أموالنا وسمعتنا ومصارفنا وافتقر الشعب وسقط النموذج اللبناني.
هكذا اخترنا ممثلينا في الندوات النيابية، فتهاوى مستوى العمل الرقابي والتشريعي وضرب النظام البرلماني.
هكذا استولينا على القضاء، فتحول معظمه من إحقاق العدالة بين الناس إلى قاض لحاجات السياسيين، وليست آخر المآثر محاولة كف يد القاضي صوان عن جريمة المرفأ.
هكذا اخترنا حكوماتنا، فتحول لبنان إلى سلعة رخيصة يتناتشها الفساد والسماسرة.
نورد هذه المضبطة الواقعية المؤسفة والمختصرة، للرد على السؤال المحرق الذي يطرحه كل لبناني على نفسه وعلى من حوله: “شو قولكن الـ 2021 رح تكون أحسن؟”، والجواب، عدد ما قمت به من صالحات أيها اللبناني فيأتيك الجواب، بلا حاجة إلى عرافين وبصارين وخبراء.
وللمزيد من الوضوح ولتبيان فداحة الإرتكابات، نحن ننتقد تقصير الدولة في قراءة مخاطر الكورونا وترددها في معالجته، لكن تصرفات الناس ليلة رأس السنة وتخالطهم غير الواعي أليست عملا مدانا بكل المقاييس والألفاظ؟، أليس ما قام به هؤلاء أخطر وأشد فتكا من ظاهرة الرصاص العشوائي الذي قتل أبرياء وأصاب طائرات وأسقط سمعة لبنان، من دولة فاشلة إلى أرض فالتة تسكنها وحوش بشرية لا يضبطها قانون ولا يفرملها ضمير؟.
أليس ما شهدناه من طوابير سيارات على أبواب المستشفيات لإجراء فحوصات الكورونا، صحوة متأخرة لمجرمين جاؤوا يغسلون عار ما ارتكبوه، ولكن بعد فوات الأوان؟.
إذا، هذا التبادل بالسيئات بين الدولة والشعب، أخذ البلاد على المستوى الصحي الى كارثة محققة، فعدد المصابين الذي تتجاوز نسبته بأضعاف ما يسجل في دول يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة، يعني أن الشعب اللبناني صار برمته مشروع ميْت حي مع وقف التنفيذ، ينتظر دوره أمام المقابر المتخمة بعدما انفجرت المستشفيات بموجات المصابين التي تجتاحها، ولن تنفع بشيء كل التدابير التي ستتخذها السلطات الصحية طالما أن الشعب لا ينضبط ولا يشفق على نفسه. ولا يخبركم أحد عن النموذج الإيطالي، حرام الطليان تجاوزناهم بكثير.
الأمر نفسه ينطبق على الشأن السيادي الذي فرطت الدولة به وجيرته، الى أن صار لبنان صبيا يتيما تائها يقرر مصيره الغرباء. ألا يهينكم يا أهل المنظومة أن يتنطح الحرس الثوري الإيراني مجددا وتكرارا، و يتبجح بأن كل تمتلكه غزة ولبنان، ولبنان في منظوره يعني “حزب الله”، إن كل ما يمتلكانه من قدرات صاروخية تم بدعم من إيران، وهما الخط الأمامي للمواجهة.
وتحدث بفرح وكبرياء عن تقاطع نيران في سماء اسرائيل، بين سوريا ولبنان وفلسطين، مهددا بأن لدينا أمر عام من المرشد علي خامنئي بتسوية حيفا وتل ابيب بالأرض، في حال ارتكبت إسرائيل أي حماقة.
وسط هذه الفوضى، نفتش عن حكومة منقذة فلا نجدها، وقد ضاعت وسط أكوام الخلافات وتلال الأنانيات وجشع الفساد الرسمي، فيما ضوء لبنان الشحيح يكاد ينطفىء ويختفي عن خريطة الدول المحترمة.