بعدما عجز الأطباء الأجانب عن شفائه، جاء دور الطب العربي، وزير الخارجية المصري أمس، والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية اليوم . فإن فشلا وهذا متوقع، فليس لأنهما وأطباء العالم جهلة، بل لأن المريض بل المرضى اللبنانيون يرفضون العلاج. وتقرير لودريان أمس بين بوضوح ان المرض اخلاقي يضرب نفوس المنظومة المتحكمة بالدولة ورؤوسها.
فهل تشكيل حكومة مهمة أمر مستحيل؟ وهل التخلي عن الأنانيات والجشع من أجل إنقاذ وطن يحتضر وشعب مريض جائع واقتصاد منهار عملان مستحيلان ؟ طبعا لا، إذا هي الاخلاق. والأخطر الذي يتهدد لبنان بكيانه، أن أهل المنظومة وبحجة حماية الدولة والدستور شارفوا نسف كل مقومات الدولة وأسسها. فبعد أول رئيس مكلف وفي ظل ثاني رئيس مكلف، كانت المعارك تدور حول حكومة اختصاصيين أو حكومة تكنوسياسية، بعدها صارت المعركة حول فرض ورفض الثلث المعطل، بعدها انتقلنا الى معركة حق الرئيس المكلف بالتشكيل وحق رئيس الجمهورية بالمشاركة ومن يسمي الوزراء، بعدها انتقلنا الى صون حقوق المسيحيين، فإلى معركة وجهة لبنان، غربا أم شرقا، ومن ثم صرنا مادة تجاذب في مفاوضات النووي الإيراني.
وبعدما انحشرت المنظومة بين جوع الناس و مناشدات البطريرك والفاتيكان التي أعادت إحياء المبادرة الفرنسية المعززة أميركيا وأوروبيا وعربيا، فتح الرئيس عون معركة التدقيق الجنائي مستهدفا الرئيس الحريري و حاكم المركزي والمصارف فقط، من دون باقي الملفات التي أهدرت مدخرات الناس وأفرغت المالية العامة، وفي مقدمها الكهرباء. وغطى الرئيس هجومه بخطاب شعبي استعار مفرداته من خطابات وارتجاليات شرفة بيت الشعب عام 1989. الإطلالة الرئاسية الأخيرة التي نسفت كل المساعي العربية والفرنسية، دفعت حسام زكي الى سؤال الرئيس عون، ليس عن شكل الحكومة بل عن أمرين: هل ما زلتم تريدون اتفاق الطائف يا فخامة الرئيس؟ وهل تقبلون سقفا عربيا – او عربيا دوليا يحتضن مفاوضات لبنانية – لبنانية توقف انهيار لبنان قبل سقوط الهيكل؟ فاجابه بنعم، ولكن.
تفسير الأمر أننا عدنا الى المربع الأول بعدما أحرقنا كل الوسائط والوسطاء. تزامنا أمران: الأول، لبنان يستعد لخوض معركة حماية مياهه وثرواته المهددة من سوريا شمالا، والجيش في بوز المدفع كالعادة، والثاني، موافقة القاضي غسان خوري على طلب إخلاء أحد عشر موظفا وعسكريا موقوفا من ذوي الرتب المتدنية، من دون ذوي الرتب والمراتب العالية في قضية انفجار المرفأ .