حذر تقرير أصدره البنك الدولي من أن لبنان غارق في انهيار اقتصادي قد يضعه في عداد أسوأ أزمات عرفها العالم، وفي ثلاثية أفظع كوارث ضربت العالم منذ القرن التاسع عشر. التقرير صدر عشية وصول وفد من صندوق النقد الدولي إلى لبنان الجمعة. ما يعمق فجوة الأزمة، يضيف التقرير، هو غياب أي أفق لحل يخرجه من الواقع المتردي الذي يفاقمه الشلل السياسي. والمقصود بغياب الأفق، عدم وجود سلطة تنفيذية تملك برنامجا، وتعذر تشكيل حكومة تطبق هذا البرنامج. وغني عن القول إن ما تحذر من حصوله السلطات النقدية الدولية والدول الصديقة، لا يقل من مجاعة تضرب لبنان، وقد بدأت طلائعها بالظهور في مختلف نواحي الحياة، بدءا بتسول الخبز واستجداء الدواء ورفع صلوات الإستسقاء للحصول على نقطة بنزين. صرخة البنك الدولي التي جاءت تنضم إلى جوقة دولية تنادي المنظومة وتحذرها للمرة الأخيرة مما تقترفه، يبدو أنها لم تصل إلى آذان المسؤولين، لأنهم ليسوا مسؤولين إلا عن مصالحهم وعن كيفية تأبيد أنفسهم وأبنائهم على كراسي السلطة. اللامبالاة الرسمية تجلت بوضوح في عدم ارتقاء المتحكمين بالسلطة إلى مستوى الكارثة المحدقة بلبنان، إذ إن مادة النقاش بين أفرادها لا تزال هي هي: شو إلك وشو إلي، ومن يعين هذا الوزير ومن يعين ذاك، وكأننا في الأيام الأولى للتكليف وليس بعد تسعة أشهر كارثية على حصوله.
وتكتسب المعركة بين الرئيس المكلف والوكيل الرئاسي جبران باسيل الذي يعطي المعركة بعدا صليبيا عندما يصل البحث الى تسمية الوزيرين المسيحيين غير الحزبيين. فأخبار لقاءي الحريري-بري ظهر أمس، والخليلين-صفا وباسيل ليل أمس، تؤكد أن عقدة التأليف تكمن هنا. وما يجعل المفاوضات غير المباشرة أكثر صعوبة، هو شعور الفريقين بأن كلا منهما يملك السلاح الكاسر للمراوحة والخصم في آن. الرئيس عون وتياره باتا مقتنعين بضرورة قلب الطاولة والاستقالة من المجلس النيابي والذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة، بما يسقط تكليف الحريري. والرئيس الحريري واثق من أن الخطوة ستقويه سنيا وستحول دون قبول أي سني قوي بتولي المهمة مكانه، وبأن العهد غير قادر على العودة بأكثرية نيابية و مسيحية مرجحة ما سيسهم في إضعافه أكثر. أما السلاح الأخبث والأخطر فهو التسويق لحكومة أنتخابات، لأن هكذا حكومة ستعفي نفسها من أي برنامج اقتصادي إنقاذي، وستحولها الخلافات الخبيثة على قانون الانتخاب، الى حكومة تعطيل انتخابات وتمديد للمجلس الحالي ومن ثم البصم على التمديد لرئيس الجمهورية. في النهاية، كما نلاحظ وتلاحظون، أن لبنان المتداعي وشعبه الجائع هما الغائبان الأكبران.