لبنان يعيش بين عقابين: فالاوروبيون يلوحون بفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين، فيما المسؤولون “يفشون خلقهم” باستكمال معاقبة اللبنانيين. وانواع العقاب المفروضة علينا متعددة، وتبدأ بالعقاب السياسي – الحكومي. ففرص تشكيل الحكومة تتضاءل يوما بعد يوم، والمبادرات، على انواعها، تساقطت، ولم يبق سوى الفراغ.
ومع سقوط السياسة تصاعد الخطاب الطائفي من جديد، فعاد الحديث الممجوج والسخيف عن صلاحيات من هنا وعن ميثاقية من هناك.
فمتى ندرك كشعب ان الفقر لا دين له، وان التعتير لا طائفة له، وان الذل لا مذهب له؟.
العقاب الثاني والابرز اقتصادي – اجتماعي. فغير سهل ان يهدر اللبنانيون نصف وقتهم استجداء لتنكة بنزين، او بحثا عن دواء و حليب مفقودين، او توسطا لامكان الدخول الى مستشفى.
وأما العقاب الثالث فامني، اذ كل يوم تظهر فضيحة جديدة من نوع فضيحة الرمان المليىء بالكبتاغون.
فاليوم ضبطت شعبة مكافحة المخدرات في الجمارك كمية كبيرة من حبوب الكبتاغون موضبة في مستوعبين محملين بالحجارة معدة للتهريب الى السعودية. فلم هذا الاستهداف الوقح والاصرار على التصدير نحو السعودية؟ وهل الجهات التي تقف وراء الامر او تحمي فاعليه تتقصد ذلك لافهام من لا يفهم بعد انها اكبر واقوى من الدولة، وانها قادرة على ان تفعل ما تشاء بمن تشاء وساعة تشاء؟.
في المقلب الاخر، العقوبات على المسؤولين ستأخذ منحى مختلفا بدءا من الغد. فالمفوض الاعلى لشؤون الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي جوزف بوريل يبدأ جولة على المسؤولين اللبنانيين تستمر يومين، على ان يعقد في نهايتها مؤتمرا صحافيا مساء الاحد.
ووفق المعلومات فان بوريل يزور لبنان قبل ايام من اجتماع قادة الاتحاد في نهاية الاسبوع المقبل، وذلك لابلاغ المسؤولين اللبنانيين رسالة واضحة فحواها بالمختصر: اما ان توقفوا خلافاتكم ونزاعاتكم ومناكفاتكم الصبيانية، او ان العقوبات الاروربية سيبدأ فرضها عليكم!
لكن هل الاوربيون مقتنعون حقا بأن العقوبات المتدرجة يمكن ان تحل الازمة في لبنان، او يمكن ان تغير أداء المسؤولين اللبنانيين؟ ألم يدركوا بعد ان المسؤولين عندنا “متمسحون” لا يشعرون بشيء ولا يهزهم شيء؟ فالمسؤول الذي لا تهزه دمعة طفل او صرخة ام او قهر والد، هل يمكن ان يهزه منع للسفر الى دولة معينة؟ ان الرهان عل صحوة ضمير عند المسؤولين عندنا ساقط. فهم مثلا لا يتفاعلون حتى مع صور تشكل اهانة لشعبهم، كالفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، وفيه مواطن يصل على ظهر حمار الى احدى محطات البنزين ليأتي بالوقود لسيارته المقطوعة. وعلى سيرة الحمير، لم لا يكون هذا الحيوان هو “الشي التاني” غير البنزين الذي قصد استعماله وزير الطاقة امس؟ فمع هكذا منظومة، ومع هكذا وزراء، ومع هكذا دولة، هل من حل سوى باللجوء الى الحمير؟