ما أكسب زيارة المبعوث الاوروبي الرفيع جوزيب بوريل بيروت أهمية قصوى، أنه لم يتكلم باسم دولة محددة، بل تكلم باسم الاتحاد الاوروبي مجتمعا، وباسم كل الدول الصديقة والشقيقة. ويكتسب كلامه صفة التحذير الأخير، لأنه يأتي وقد فقد لبنان كل مقومات الدولة، فيما سقط حكامه الى مرتبة المرتكبين الذين سلبوا شعبهم كرامته وأمواله وأحلامه، وهم يتفرغون الآن لخطف روحه.
يا أركان المنظومة، عندما يقول بوريل للصحافين إنه ليس مدعيا عاما، لا يذهبن فكركم الإلغائي بعيدا، هو لم يبرئكم، إنما قال إنه “ليس المرجع الصالح للقيام بهذا الدور”، بدليل اتهامه كل الطبقة السياسية التي تتشكل منها منظومتكم بالضلوع، وإن بنسب مختلفة، في جريمة اغتيال دولة وشعب، وتأكيده بأن “لائحتي الارتكابات والعقوبات المناسبة موجودة على طاولة الاتحاد الاوروبي”، ولا يعفيكم من تجرع كأسها سوى تشكيل حكومة إصلاحية.
بمعنى أوضح، لقد قال لكم بوريل: “شكلوا وأصلحوا، تسلموا ويسلم لبنان”. والأكثر لفتا للاهتمام أن حلول بوريل في بيروت أخذ طابع الإغارة أكثر منه زيارة إذ أسمع ولم يستمع، أبلغ ولم يتبلغ، و لم يتبن ايا من الحجج التي ساقها أو تلطى وراءها من التقاهم من المسؤولين: لا حجة النازحين، ولا التدقيق المالي، ولا احترام حصص الطوائف في التشكيل.
نعم، لقد كان بوريل واضحا: “ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”، والكلام نفسه والتحذيرات نفسها أسمعها الأساقفة الموارنة المجتمعون في بكركي برئاسة البطريرك الراعي، للمنظومة.
لكن وبما أن الكنيسة القريبة لا تشفي، ولا تصلح ولا تهز ضمير المنظومة الفاسدة الممعنة في الإنكار، أيد الأساقفة دعوة الراعي المجتمع الدولي والأمم المتحدة والفاتيكان الى عقد مؤتمر دولي ينقذ لبنان مما يتخبط فيه داخليا، ويعلن حياده ويحميه من تدخلات الخارج في شؤونه ويمنع مضخات الداخل من شفط مياه الخارج الآسنة، التي أغرقت لبنان وقضت على سيادته.
في السياق، التقاطع كان واضحا بين بيان الأساقفة وموقف جوزيب بوريل. فالأول أكد بأن “كوارث لبنان صناعة محلية”، فزاد عليه الأساقفة بالتأكيد على أن “الصناعة المحلية تقوم على تمويل وقطع غيار وخرائط مستوردة، الأمر الذي جعل حياتنا الوطنية صعبة وأدى الى تبخر أموالنا الصعبة”.
بعد ما تقدم، سؤال: هل ستلقى التحذيرات الأوروبية آذانا صاغية في الداخل، أم ستذهب أدراج الرياح، فتلقى مصير تحذيرات ماكرون ولورديان؟. الجواب يمكن استشرافه ظهر الأحد من نوعية الكلام الذي سيطلقه رئيس “التيار الحر” جبران باسيل، هل سيكون ملطفا مسهلا، أم عاصفا يستلهم المقولة الشهيرة: “لا صوت يعلو صوت المعركة”، بما ينسف الآمال المنسوفة أصلا بإمكان تشكيل حكومة، ولبنان دولة وشعبا على قيد الحياة.
إقليميا، فاز ابراهيم رئيسي رجل الدين المتشدد المحافظ، بمنصب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسرعان ما تدافعت الأسئلة عن التأثير المحتمل للانتخاب على مفاوضات فيينا، وعلى دور إيران في الإقليم وعن تأثيره الأكيد على لبنان، إحدى الدول الأربع التي تتباهى طهران باستتباعها.