إنهم يحكون قعر الجوارير، تعبير فرنسي يستخدم للدلالة على شخص مفلس، تدفعه الحاجة الى التفتيش اليائس عن قرش في أدراجه وهو عالم بأنه غير موجود.
في لبنان يمكن إسقاط هذه الصورة على واقعنا، مع إضافة لبنانية أكيدة، وهي أن الدولة عندنا تصر، على حك جيوب الناس لتحقيق أمرين أخيرين: تأمين البطاقة التمويلية وتخفيف دعم المحروقات.
الغريب في الأمر أن مصدر تمويل المشروعين هو الاحتياطي الإلزامي، أي مدخرات الناس المقهورين “ما غيرن”. لن نصف البهلوانية المالية هذه بالشعبوية وإن تذكرنا بسيئة الذكر سلسلة الرواتب، لكن يمكننا وصفها وبراحة ضمير بأنها غير قابلة للتنفيذ، وإن نفذت فلفترة لا تتعدى الشهرين للبنزين، وبضعة اشهر للبطاقة التمويلية. الكلام هنا لحاكم المركزي الذي شدد في بعبدا على ضرورة ان توقع الحكومة والمجلس النيابي معا على القرارين، لأنه لا يتحمل عاقبة تنفيذهما من دون غطاء قانوني.
في مقلب المؤيدين، يرى هؤلاء في الخطوتين، أنهما تؤمنان تقنينا لنزيف التهريب وتخفيفا لذل الوقوف أمام السوبرماركات ومحطات الوقود، واسترجاعا غير مباشر لقروش ولو قليلة من المدخرات المحتجزة في المصارف.
لكن ما يضعف حجتهم أن لا ضمانة بأن القرارين سينفذان، وأن المنظومة تتعاطى مع المسألة وكأنها اشترت من جيوب الناس وقتا مستقطعا، لن تستغله على ما هو ظاهر من أجل تشكيل حكومة تتسلم زمام الدولة.
وما يضعف حجتهم أكثر، هي بداية تسويق الاعلام الممانع بأن وقت استيراد البنزين من إيران قد حان، وسيتبع الدواء والغذاء والكهرباء بالبنزين، عسى ألا يتوسع السيد حسن نصرالله بهذه الإملائية في خطابه الجمعة.
في الانتظار، البنزين والكهرباء والدواء والاستشفاء بالقطارة والغضب الشعبي عارم. وقريبا ربما سيطلب من القوى الأمنية مواكبة شاحنات التموين وحمايتها إن استمرت عمليات نهبها على أيدي البعض في بعض الأماكن، متذرعين بحجج واهية ومرفوضة… حمى الله لبنان.