المشهد مبك ومضحك في آن، بعد اعتذار الرئيس الحريري عن عدم التأليف، مضحك ومبك، لأن أضعف الإيمان بعد نجاح الرئيس عون وجبران باسيل في إزاحة الرئيس المكلف، أن يسارعا إلى تكليف شخصية سنية يعتد بها، وتكون قادرةً على تعبئة الفراغ الذي تركه الحريري، والأهم أن تكون هذه الشخصية موجودة وقابلة التكليف وجاهزة، برضى أهل السنة ومباركة الحريري أو من دونهما.
لكن شيئا من هذا لم يحصل، والسؤال الذي يطرح بقوة الآن، هل فوجىء الثنائي عون- باسيل بهذه الواقعة، أم فعلا فعلتهما عن سابق إصرار وتصميم، خصوصا أن أصغر هاوي سياسة ويعرف لبنان، يعرف أن ما في سني عاقل وعنده “كرامي” يقبل تلقف كرة النار والمهانة هذه؟.
الجواب البديهي، لا لم يفاجآ، وهما يعملان انطلاقا من منطق حسابي لا ميثاقي، أي أنه إن جاءت الإستشارات لصالح اختيار “زيد” أم “عمر” لتولي التكليف، ولو أيده نائب سني واحد فإنهما سيسيران به، والمشكلة العالقة الآن مين الأخ “الكاميكاز” المستقتل على تولي دفة السفينة الغارقة ومن دون دعم طائفته، وأي موقف عندها ستتخذه الطائفة السنية والدول العربية السنية على خلافاتها وتلاوين اختلافاتها.
نعم هنا تكمن العقدة التي يعجز عندها النجار. كل هذا ولا يغيب عن ذهني الثنائي عون- باسيل طبعا أمران: الأول، أن الغاية من اختيار رئيس حكومة هو تشكيل حكومة تحكم لا حكومة لا تحكم، هدفها إنقاذ البلاد لا دفنها. الأمر الثاني، هكذا حكومة لن تحظى مطلقا بقبول الثنائي الشيعي، ومعظم الكتل والأحزاب المسيحية المؤمنة بالميثاقية.
وبما أن عون وباسيل يعرفان كل ما سينتج من مخاطر عن هذا الانقلاب ، فهذا يعني أنهما يطرحان هذا النهج الملتوي العبثي في التداول لكي يرفض. أما الخطة الحقيقية التي يعملان عليها فباتت معالمها تتكشف، وهي تقوم على مجلس حكم بقيادة الرئيس عون يمسك بمقاليد البلاد عبر المجلس الأعلى للدفاع كغرفة تحكم وسيطرة، على أن تكون حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب ذراعه التنفيذية.
هذه الآلية تذكر بالحكومة العسكرية الانتقالية التي ترأسها عون، يوم كان قائدا للجيش. وكانت مهمتها العمل على تأمين انتخاب رئيس للجمهورية، وقد تجاوزت يومها كل الصلاحيات التي هي لها ولم تسمح بانتخاب رئيس.
والكل يتذكر كيف انتخب الرئيس الشهيد رينه معوض وأين، وكيف انتخب الرئيس الراحل الياس الهراوي وأين، وبأي طريقة أنهيت خدمات الحكومة تلك. ما تقدم إن صح ، فإن دائرة خوف اللبنانيين يجب أن تتوسع لتضم اتفاق الطائف، الى سلة الهموم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، والتي لا يختلف اثنان على أنها ستزداد سوءا في ظل فترة انعدام الدولة، وتأخذ بعدا تراجيديا بتعطيل الاستحقاقين النيابي والرئاسي.
الدول الكبرى المعنية بلبنان والاتحاد الأوروبي، عبرت بلسان وزيري الخارجية الفرنسي والأميركي عن هذا القلق. “يا جماعة عجلوا شكلوا حكومة ودبروا أموركم كي نتمكن من رد الستين مليار دولار العالقة في مصارفنا للرئيس الأسد”، نزيف التهريب من هنا الى شرايين نظامه لم تعد تكفيه .. حرام.