من ينظر الى التحلل الكبير الذي يصيب الدولة اللبنانية، لا يمكنه أن يتصور لحظة بأن المنظومة لن تتراجع قليلا أمام هول الانطفاء الشامل، فتذهب الإثنين الى تسمية رئيس مكلف. ولا يكاد الناظر نفسه التخيل لحظة, ألا تقود غريزة البقاء المنظومة الى الاستفادة من اللحظة الدستورية هذه, لشراء فرصة جديدة تمدد بموجبها إقامتها على صدر لبنان، مستغلة واقع أن القوى العظمى المتدخلة في الشأن اللبناني لم تجد بعد البديل الجاهز لتولي قيادة البلاد.
لكن الناظر المجرب يعرف أن في هذه اللحظات التاريخية بالذات تتصرف المنظومة بعكس كل التوقعات فتختار الدمار على الإعمار والأنانية على الوطنية، وإلا ما كان لبنان يتخبط في مستنقع الكوارث الذي هو فيه.
إسقاط ما تقدم على واقع المخاض العسير الذي يسبق الاستشارات المفترض أن تحصل الاثنين المقبل ، يقودنا الى استنتاج مخيب، فالرئيس ميقاتي لا يزال رغم قامته الفارعة وفشخته الكبيرة بعيدا عن دخول قصر بعبدا ليخرج منه رئيسا مكلفا وذلك عائد لمانعين اساسيين: الأول، أنه لم يحصل حتى الساعة ورغم الدعم الفرنسي والأميركي والعربي وعلى رغم المجاعة والعتمة وعلى رغم البركان المتوقع أن ينفجر في الرابع من آب، لم يحصل حتى الساعة على ما يطمئنه الى أنه, إن كلف, سيتمكن من التشكيل، وهو غير مستعد للمخاطرة بشخصه وبمستقبله السياسي وبحيثيته السنيته لنزوة تسكن رأس رئيس الجمهورية وجبران باسيل.
الأمر الثاني، أنه وعلى رغم حاجة العهد وباسيل الى عوامة ميقاتي، ما زال الرجلان يناوران ويستعملان نفس التكتيك اللذان استخدماه لابعاد الرئيس الحريري، وإلا كيف يفسران للوسطاء تمسك باسيل بتسمية نواف سلام الذي أعلن بالثلاثة رفضه تولي المهمة.
ولا يأتي اعلان القوات رفضها تسمية أي شخصية في الاستشارات، لتزيد ميقاتي ترددا، إذ كيف لحكومته أن تقلع من دون مباركة الحزبين المسيحيين الأقوى وإن اختلفت أسباب امتناعهما. في موازاة البلوكاج الكبير الحائل دون التكليف والتشكيل، تبدو الأخبار المتفائلة بأعجوبة ستحصل الإثنين, هزيلة وغير مسندة، لكن لا بد من التعويل على المساعي والاتصالات المكثفة التي ستزخر بها الايام الفاصلة عن الاثنين علها تحدث الفرق .. لننتظر.