في الأراضي المفتوحة رسّمت إيران رئيسي، رئيس إيران الجديد، وحكومة إسرائيل الجديدة، رسما حدود اشتباكهما. وكما جرت العادة خرجت “المقاومة الإسلامية” منتصرة في ردع العدو وردته إلى قواعد الاشتباك التي رعت العلاقة بينهما منذ تموز 2006.
لكن الاشتباك شكل أيضا مناسبة ل”حزب الله” ليؤكد شرعية حدوده المتداخلة مع الدولة اللبنانية، وهو لم ينس كيف دخلت بجيشها إلى مناطق عمل المقاومة الإسلامية والتي صارت تعرف بمنطقة القرار 1701. بعد تجديد الكونترا، وتماما كما حصل بعيد حرب ال2006، تفرغ السيد حسن نصرالله إلى الداخل، وأدلى بدلوه في القضايا الساخنة، وفي مقدمها تعاطي القضاء مع انفجار المرفأ، فوجه نقدا لاذعا إلى المحقق العدلي طارق بيطار واتهمه بالانحياز وعدم التعاطي بمساواة مع المسؤولين المفترضين عن الانفجار، ما طرح سؤالا جوهريا حول مصير القاضي والملف.
إلحاق نصرالله القاضي بيطار بسلفه فادي صوان، استحضر إلى أذهان المراقبين مطالعات الحزب النافية لشرعية المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وكيف تعاطى مع قرارتها وأحكامها. المقارنة تستقيم لأن اتهام بيطار يحصل في ظل دولة غائبة متواطئة، الأمر الذي يضع اللبنانيين وأهالي الضحايا أمام ثلاثة احتمالات وحتمية: إما أن يتنحى بيطار، أو ينحى، أو يستمر في مهمته ويصدر قراره الظني مهما كانت المخاطر والصعوبات. أما الحتمية فهي أن تنسف المحاكمات قراره، مبقية المتهمين الرئيسيين، قديسين خارج المساءلة.
هذه المواقف المزعزعة للاستقرار ولسمعة الدولة، لاستخفافها بصرخات أهالي الضحايا والمتضررين، تكتسب بعدا عظيم الخطورة، إذ تحصل طحشة الدويلة على السيادة والمؤسسات في ظل تواصل الاشتباك بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على تشكيل الحكومة، بحقائبها وأسماء وزرائها ودورها.
والعقدة بحسب المراقبين، ليست في اختلاف المزاج بين الرجلين أو خلافهما على حقيبتي الداخلية والعدل أو الثلث المعطل، بل تنبع من نية دفينة لدى رئيس الجمهورية بعدم تشكيل حكومة، تعليقا للاستحقاقات التي تواكبها وفي مقدمها الانتخابات النيابية ومن ثم الرئاسية. فلا شيء غير هذه النوايا المضمرة يبرر إدارة الظهر للنداءات الدولية وإغماض العيون عن مشاهد انهيار الدولة بمؤسساتها وقطاعاتها كافة، ويصم الآذان عن صرخات الجياع وأنين المرضى وصراخ العمال وأرباب العمل.
كل هذه الصور تبقى في إطار الفرضيات الساذجة أو سيئة النية أو الصحيحة، ولا يسقطها أو يؤكدها سوى نجاح الرئيس المكلف خلال زيارته السابعة قصر بعبدا في إبلاغ اللبنانين بأنه نجح في تشكيل الحكومة المنتظرة من الداخل والعالم. في انتظار ما سيخرج من فنجان الرئيس المكلف من قراءات لطالع لبنان يتيم الحكومة، كل شيء ينطفئ في البلاد ويتوقف، وكأن دمها سحب أو تلقت طعنات غدر في صدرها.
وها هي مشاهد انهيارها تتوالى مباشرة على مرأى من الكون: لا فيول، لا مازوت، لا كهرباء، لا محروقات، لا خبز، لا دواء، لا مستشفيات، لا مدارس، لا مصانع، لا مصارف.. كل هذه البلاوى لأن المنظومة المتحكمة، لا أخلاق عندها ولا ضمير.