كنا توقعنا غداة تكليف الرئيس ميقاتي تشكيل الحكومة، بأن وتيرة زياراته بعبدا ستتراجع بمرور الأيام، ومنسوب التفاؤل سيتراجع، ومعه الإبتسامات.
وللحقيقة والأمانة، الأمر لم يكن يحتاج ذكاء وقادا، فهوامش المرونة لدى الرجلين، عون وميقاتي، معروفة ومكنونات صدريهما واحدهما تجاه الآخر مكشوفة: ميقاتي ينفذ أجندة الحريري، وعون يريد إقصاء السنة أو تدجينهم.
من هذه المعطيات لم نستغرب عدم صعود ميقاتي إلى بعبدا اليوم وعدم تحديده موعدا لزيارته المقبلة، على رغم أن الواقع الكارثي الذي يغرق فيه الناس والبلاد لم يعد يحتمل أي تأجيل أو مماطلة أو أنانيات تعوق تشكيل الحكومة.
ولأننا منذ تكليف الرئيس الحريري ومن ثم ميقاتي، رفضنا الوقوع في فخ السيناريوهات الموجهة التي تتطاير من مطابخ التشكيل، والتي تتحدث زورا عن خلافات على حقيبتي العدل والداخلية أو عن صراع مستجد على حقيبة الشؤون الإجتماعية أو عن رفض يوسف الخليل وزيرا للمالية، أو عن ثلث معطل أو عن رغبة رئاسية بالسيطرة على نصف الحكومة وتسمية وزيرين مسيحيين من حصة الرئيس ميقاتي…
ولأننا رفضنا أن نستدرج إلى هذا الفخ، نعود ونذكر بما حذرنا منه دائما: إن لبنان ليس أبدا أمام معضلة تشكيل، إنما أمام انقلاب متدحرج على المؤسسات، من أول أهدافه تعطيل الإستحقاقات النيابية والرئاسية وافتعال أزمة نظام… نعم نحن أمام واقع انقلابي، لأنهم وحدهم الانقلابيون لا يأبهون بوجع شعوبهم وخراب اقتصادات دولهم ودمار أوطانهم.
نعم، عندما تتحول المقاومة من فعل تحريري للأرض إلى حال انقلابية تستولي على البلاد والمؤسسات، وتلاقي من رجال الدولة من يتعامل معها وينحني أمام ترغيبها وترهيبها، نكون أمام احتلال جديد أشد وأدهى، وهذا هو حالنا الآن.
مؤسساتنا معطلة، سيادتنا مخطوفة منتهكة، حربنا وسلمنا في أيدي لبنانيين غرباء ينطقون العربية كالمستشرقين أو بالأحرى كالمستعربين، دبلوماسيتنا مخربة ومخربة، علاقاتنا بالعالم شبه مقطوعة، أشقاؤنا وأصدقاؤنا قلوبهم علينا، لكن قلوب أهل المنظومة على الحجر. ونسأل بعد لماذا لبنان معزول أعزل موضوع في الحجر؟
لا ليس في هذا الكلام مبالغة إلا في نظر المنظومة ومنظومتها الميليشوية طبعا، إذ يكفي النظر إلى الدرك الذي أسقطنا اليه لنتأكد من صحته.
يا عالم، في أشد سنوات الحرب، لم يصل بنا الحال حد تسول الدواء والماء والاستشفاء والخبز والمحروقات والكهرباء والغاز… ولم نصل إلى الخراب الاقتصادي العام والانكسار المالي الشامل.
أيها المجرمون لقد توقف اليوم مصنع الأمصال الوحيد الذي يغذي كل مستشفيات لبنان، ما يهدد المرضى بالموت المحتم. بربكم أجيبونا، اي مصل فاسد آسن يسري في عروقكم؟ وإذا كنتم لا تخشون شعبكم، ألا تخشون يوم الدينونة؟…