شردت المنظمات الفلسطينية عن وجهتها الأساسية عام 1975 ودخلت بوسطتها عين الرمانة وحلمت بجونية، كانت الحرب المشؤومة، وعندما شرد قسم من التظاهرة المطالبة بإقصاء القاضي البيطار عن طريق قصر العدل ودخلت عين الرمانة، كانت هذه الحرب الصغيرة التي احيت ذكريات أليمة جدا، إن بالضحايا الذين سقطوا أو بالدمار الذي حصل.
والمؤلم أكثر أن الجامع بين الشردتين هو فائض القوة واستسهال اقتحام الناس في هدأة صبحياتهم، في اسرتهم وأسرهم، وإذا اختلفت الأهداف والهدافون الآن غير أن المستهدف واحد، وردة الفعل واحدة.
إن أهل هذه المنطقة هم انفسهم، ابناؤهم كما آباؤهم وأجدادهم ، كراماتهم وأرزاقهم عزيزة.
المؤلم المؤسف أكثر، أن وزيرا أمنيا بخلفية عدلية تبنى وبسرعة كما أحد أسلافه عام 1975، سردية فريق فوصف ما جرى على انه اعتداء مجرم على نخبة مسالمة كانت تمر في المكان ما وضعه في موقع الفريق أولا، وفي موقع الحكم المتسرع ثانيا، وفي موقع المحرض.
ثالثا، علما بأنه وزير عن كل اللبنانيين ولكل اللبنانيين. والنصيحة التي يمكن أن توجه الى رئيسي الجمهورية و الحكومة، بسيطة: إذا اردتما الحفاظ على السلم الأهلي لا تساوما على القضاء ولا تسهما في جريمة اغتياله، ولعل إصرار رئيس الجمهورية في اطلالته اليوم على قدسية فصل السلطات تشكل اللبنة الأولى في حماية الجسم القضائي ، لأن العدالة والسلم الأهلي توأمان، إذا سقط أحدهما سقطت الدولة.
والنصيحة الثانية ، إعملا على لملمة شتات المؤسسات كي لا يظل الحمل ثقيلا على كتفي الجيش.
وللجيش نقول : حملك ثقيل لكن ذلك لا يعفيك مع كل الاجهزة الأمنية من استشراف الأحداث واستباقها، وإذا كانت عقيدة الحرب الاستباقية التي اعتنقتها هي التي أدت الى انتصارك في فجر الجرود وفي القضاء على فلول داعش والارهاب، فهذه العقيدة يصح تطبيقها الآن بقوة ومن دون مهابة أي فريق أو مسايرته.
توازيا، كل هذه المناورة بالدم والنار لن تحرفنا عن القضية الأساس، المتمثلة جهارا بإسقاط القاضي بيطار وإغراق العدالة بالفوضى، وجعل محاسبة المسؤولين عن تفجير المرفأ شيئا ثانويا يجب التضحية به صونا للسلم الأهلي.
في السياق، تحية إكبار لقضاة شرفاء يبشرون بقضاء شريف آت، ما لانوا أمام التهديد ولا غرهم الترغيب، ولا أخافهم السلاح، حموا بمروءتهم المشهودة خاصرة زميلهم من سكاكين الغدر وسم التخلي، زميلهم المنتصب وحيدا على خط النار يحمي بصدره العدالة والضحايا وأهالي الضحايا ولبنان الدولة، عنينا القاضي طارق البيطار.
وللنافخين بأبواق الحرب والطائفية والعشائرية نقول، إتقوا الله في أبنائكم واحموا لبنان . مما تقدم ، وصيتان للبنانيين : الأولى، لا تنجروا الى الفتنة ، فالمعتدى عليه هو لبنان وليس اي طائفة أو فئة. والثانية إذا حصلت الانتخابات ما ترجعو تنتخبون هني ذاتن.