تراكمت الزحطات الاستراتيجية التي ارتكبها “حزب الله” في الآونة الأخيرة، إذ استنسخ تكتيكات القتال في المساحات المفتوحة والجبهات واستخدمها في إدارة شؤون الدولة والتعاطي مع خصومه السياسيين العزل المتكلين على الدولة فقط، فسقط في الناحيتين.
ولعل المثل الأكثر فجاجة هو تعاطيه المتعثر والمتعالي في آن مع التحقيق في تفجير المرفأ، فبعد قبع القاضي صوان حاول قبع القاضي البيطار، ولما لم ينجح، هدده بالمباشر وألب المجلس النيابي ضده ومن ثم حرك الحكومة، لكن المضحك المبكي في الأمر، أنه وعندما لمس ترددا لدى بعض مكوناتها هددهم وعطل مجلس الوزراء، ومن ثم ارتد الى القضاء للاقتصاص منه، ولما لم يفلح جيش شارعه وافتعل حربا صغيرة بتبعات وخيمة، عبر محاولته اقتحام عين الرمانة. ولما لم ينجح حاول تسخير القضاء العسكري لمعاقبة سمير جعجع ومن خلاله الجيش والبيئة المسيحية الحرة، فإذ به يكتشف بأنه شظى كل اللبنانيين واستثار ردات فعل صارمة عنوانها الأساسي المقاومة المدنية للاستباحة والتمسك بالدولة.
والحزب الذي يقاتل تراجعيا للملمة خسائره الناجمة عن اللعب بالقنبلة الانشطارية لا يزال يرتكب أخطاء جانبية كبيرة ليس آخرها، خطاب نائبه نعيم قاسم المتفلت من كل الضوابط، المطالب باقتلاع القاضي بيطار، واستمرار تعطيله الحكومة ووضعها خارج الخدمة، علما بأن كل المعلومات تشير بأن زوبعته لن تؤدي الى ظلم بريء ولن تتسبب بحرب، ولن تعطل التحقيق في انفجار المرفأ، وجل ما ستؤدي اليه المزيد من الأذى في بنية الدولة والألم للشعب.
هذه السياسة التدميرية العدمية المنتهجة من قبل “حزب الله” العصي دائما على أي مساءلة قضائية، واجهها البطريرك الراعي اليوم أيضا، ويبدو أنه سيواجهها طالما استمرت كنهج لتطويع اللبنانيين، وليس المسيحيين فقط، من أجل فرض نهج استبدادي للحكم، وطالما ظلت الحكومة خاضعة ورئيس الجمهورية صامت. فقد أعلن البطريرك الراعي، أننا “لا نريد تبرئة مذنب ولا اتهام بريء، لذلك لا بد من ترك العدالة تأخذ مجراها، ونحرص على أن تشمل التحقيقات جميع الاطراف لا طرفا واحدا كأنه المسؤول عن الأحداث”.
أضاف الراعي أن “أحداث الطيونة لا يمكن أن تنسينا تفجير المرفأ، ونحن نحذر من إجراء مقايضة بين هذا التفجير وحوادث الطيونة. نريد كلمة الحق من خلال العدالة، شعبنا ليس شعبا ينتقم بل شعبا مقاوم، وجميع الذين حاولوا قهره واحتلال الأرض والتعدي على الكرامات تصدى لهم ورسم بتضحياته كلمات السيادة والعنفوان”.
في مقلب الائتلاف الحكومي المسخ، أدت تداعيات غزوة عين الرمانة الى استعار السجال بين “أمل” و”التيار الوطني الحر” حيث اتهم التيار “أمل” بالتواطؤ مع “القوات” في المجلس وفي حادثة عين الرمانة، فردت الحركة بعنف متهمة “التيار” باستغلال تفاهم مار مخايل “لزرع الفتن بين الثنائي وتسييس القضاء عبر الغرفة السوداء برئاسة سليم جريصاتي التي تدير عمل القاضي بيطار.
هذه العصفورية الجهنمية التي يتقاتل فيها الحلفاء ويقتلون ويتآمرون على الدولة والسلم الأهلي، تمعن في اغلاق آفاق الفرج في وجوه المواطنين المقهورين، تعطل الحكومة وتهدد جديا الاستحقاق الانتخابي. لذلك أيها اللبنانيون تمسكوا بالاستحقاق وأوعا ترجعو تنتخبون هني ذاتن.