الأزمة الخانقة التي يتخبط فيها لبنان والتي لم يكن القرداحي فيها سوى شرارة في مخزن نيترات، هذه الأزمة، وبعكس ما يمكن أن يتصور البعض ، ليست بين لبنان وعمقه العربي بل بين منطق الدولة ولا منطق الدويلة، وسببها المباشر أن الدولة المتراخية إستسهلت منذ العام 2005 شراء سلمها الأهلي وأمنها وعدالتها وعلاقاتها مع محيطها والعالم من خلال التنازل لحزب الله، وقد صغرت إمكاناتها وكبرت متطلباته بحيث لم تعد قادرة على تسديد الجزية ، فخسرت كل مقوماتها المعنوية والمادية والبشرية والأمنية و”بضهرن” علاقاتها مع العرب والعالم ولم يتراجع الحزب ولم يكتف.
إنطلاقا مما تقدم لا يراهنن أحد على حل موقت يستلهم تبويس اللحى. أولا لأنه ليس متوفرا، وثانيا، إن وجد من يريد هكذا حل، فإن لا سلطة له، لا معنوية ولا دستورية للتطبيق . بمعنى أدق، السعودية ودول مجلس التعاون لن ترضى، نجيب ميقاتي لن يستقيل ، رئيس الجمهورية لا يرغب أو لا يمون، وحزب الله ومعه المردة لن يتراجعا عن دعم قرداحي، فكيف السبيل الى الخلاص؟ وهل يتحقق الخلاص بقول وزير الخارجية بأن الحكومة ليست قادرة على تحجيم حزب الله ، أو بتعويله على مبادرة قطرية قد لا ترى النور للأسباب التي أوردها بو حبيب بعضمة لسانو؟
وسط هذا الانسداد، رشحت أجواء من كواليس اللقاءات التي يجريها الرئيس ميقاتي في غلاسكو، أن ضغوطا معنوية كبيرة، أميركا غير بعيدة منها ، مورست وستمارس على حزب الله للتخلي عن قرداحي فيستقيل الأخير .
وإذ يعترف الجميع بأن الخطوة صعبة و لن تصلح ما تخرب مع العرب إلا أنها تبقي على الحكومة، على ان تتولى أميركا المقتنعة بهذه الترقيعة، تخفيف الضغوط السعودية أو إبقاءها عند هذا السقف ريثما تتبدل المعطيات. لأن تفجير الحكومة وسقوط لبنان في الفوضى لن يكون أحد بمنأى عن تداعياتهما داخليا وإقليميا.
في انتظار الأرض لتؤكد صحة أو عدم صحة هذا المعطى، الشعب لا ينسى بأن حل الأزمة الناشئة، إن حصل، لن يقودنا الى ميناء الخلاص بل سيعيدنا الى جبل الأزمات الهائل التي نشأت على قمته أزمة قرداحي .
ولا بأس هنا بالتذكير، بالأزمات الاقتصادية والمالية ومتفرعاتها و بمحاولات اغتيال التحقيق في تفجير المرفأ التي أدت الى افتعال حرب عين الرمانة. وهذه الحزمة المتفجرة توظف كلها لنسف الاستحقاق الانتخابي. في السياق، وبما أن الانتخابات هي الباب السلمي الوحيد للخلاص الوطني، إمنعوا ايها اللبنانيون ضربها، لكن أوعا ترجعو تنتخبون هني ذاتن.