من أهم مظاهر انهيار الدولة, هو سقوطها في عين الدول الصديقة واستضعافها من قبل الأعداء، لكن أخطر مظاهر تحلل الدولة، هو تآكل أمنها الاجتماعي وترجمة هذا التآكل في اهتراء الوضع الأمني وانتشار السلب والجريمة كما شهدنا بعض تجلياته المقلقة اليوم، وهما نتاج الجوع الذي يطرق أبواب البيوت. وتحول معظم الشعب في سرعة مجنونة، من بحبوحة افتراضية الى عوز واقعي، الأمر الذي بدأ يتظهر.
ولا شك أن وصول لبنان الى هذا الدرك القاتل هو أولا نتاج السياسات الطائشة والرعناء والأنانية التي تنتهجها طبقته الحاكمة، فرفض المنظومة المتمادي والمقصود إجراء الاصلاحات الضرورية التي تطلبها الدول الصديقة وصندوق النقد شرطا لمساعدة لبنان، وآخر المحذرين من مغبة هذه السياسات وربما آخر زوار لبنان، هو المبعوث الفرنسي بيار دوكان، الذي لمس لمس اليد أن ما حققته حكومة دياب ومن بعدها حكومة الميقاتي هو صفر رغم كل التسهيلات الفرنسية والدولية والتطنيش وتخفيف الشروط، و رغم كل فترات السماح.
مما تقدم، يمكن الجزم بأن نظرة الغرب والعرب الينا ستتحول من التعاطي مع لبنان كدولة الى التعاطي معه كمساحة جغرافية تضم مجموعات بشرية متناحرة.
لا إطار رسميا يجمعها ويضبطها ويحميها، لكن لا يصح للعالم في المقابل تركها للجوع والفوضى انطلاقا من واقعين : الأول، كي لا يسجل عليه أنه ترك شعبا باعه حكامه فريسة للموت فيصبح شريكا في جريمة مزدوجة. والثاني، أن الفوضى فوارة وهي قابلة الى الانتقال بألف طريقة الى هذه الدول، ولن يكون الارهاب والنزوح الفوضوي أقل مظاهرها خطرا عليها .
في غضون ذلك، في الماكرو، أركان المنظومة المدركون هذه المخاطر يواصلون الاقتتال فيما بينهم على تفسير الدستور المخطوف، و يتناقرون على أحجامهم خارج إطار الطائف الذي ما عاد يتسع لأورامهم، فيما ورم الدويلة يظلل الجميع .
وفي الميكرو، يواصلون تفتيق المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية ويتفرغون لتفريغ الاستحقاقات وتعطيلها.
ايها اللبنانيون، مهما طغت المنظومة وتسلطت، يمكنكم معاقبتها في صناديق الاقتراع، فاقبلوا عليها بكثافة، وما ترجعو تنتخبون هني ذاتن.