Site icon IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار الـ”mtv” المسائية ليوم الإثنين في 24/1/2022

بالدموع المخنوقة وبكلمات ابيه المأثورة ودع سعد الحريري اللبنانيين. استقال من الحياة السياسية معلقا نشاطه ونشاط تياره فيها.

كثيرون من الذين استمعوا اليه وشاهدوه بادلوا دمعه بدمعة. من لم يتعاطفوا معه قلة. فالرجل يختزن في شخصه عناصر كثيرة من عناصر الكاريزما الشخصية. هو قريب وودود وغير مدع ويتمتع بروح شبابية. انه زعيم من طينة اخرى : متواضع، غير فوقي، يعترف باخطائه .

ولفرط تواضعه لا يتردد عندما يكون في احتفال او اجتماع ان يلتقط بنفسه صور السلفي مع الراغبين في التقاط صورة معه. كلها صفات ومزايا تجعله قريبا كثيرا من الناس، بل تجعل صورته قريبة منهم محببة اليهم. فكيف اذا اضفنا الى كل هذه الصفات انه ايضا ابن رفيق الحريري، وهو شخصيا صاحب سلطة ونفوذ ومال لسنوات طويلة في لبنان؟ كل هذه الصفات جعلت لانسحاب سعد الحريري من الحياة السياسية وقع الصدمة.

صحيح ان اللبنانيين كانوا يتوقعون القرار، لكن الاعلان غير التوقع. وزاد من درامية مشهد الوداع ان سعد الحريري ذكر معظم المناطق اللبنانية بكلمات عاطفية، وتحدث عن البطريركية المارونية بحب تماما كما تحدث عن دار الافتاء، فوحد الوجدان اللبناني، وبرز مرة جديدة كرمز من رموز الاعتدال، اي كرمز للبنان كما كان، وكما يجب ان يكون الان، وفي المستقبل، وفي كل آن.

باختصار: سعد الحريري الشخص نجح مرة جديدة في اسر قلوب اللبنانيين ، وعرف كيف ينسحب من المعترك السياسي المليء بالصغار باسلوب الكبار الكبار.

في السياسة الامر مختلف. فالحريري خربط في قراره المشهد السياسي سنيا ولبنانيا. وبداية الخربطة ستتجلى في الانتخابات . فهو اعلن ان عدم ترشحه للانتخابات النيابية لا يتعلق به شخصيا فقط ، بل انه لن يكون هناك ترشح لا من التيار الازرق ولا باسم التيار . اي ان الحريري جر الى ملعبه تيار المستقبل وثلثي الطائفة السنية .

فاذا جرت الانتخابات النيابية من سيملأ الفراغ السني الكبير، طالما ان الطبيعة عموما والحياة السياسية خصوصا تأبى الفراغ؟ وهل القوى السيادية في الطائفة السنية قادرة ان تشكل البديل عن الحريري والمستقبل، ام ان حزب الله وحلفاءه سيتمددون اكثر سنيا بعدما ازاح الحريري نفسه من طريقهم ؟

وفي هذ الحال الا يكون الحريري قد قدم خدمة ذهبية أخرى لحزب الله ولقوى الثامن من آذار ، لكن بلا تسويات وتنازلات هذه المرة ؟ لبنانيا الامر اخطر.

فالحريري طرح من جهة التمسك بالسلم الاهلي ، وعبر من جهة ثانية عن اقتناعه ان لا مجال لاي فرصة ايجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني. كأن الحريري يقول : المواجهة مع النفوذ الايراني ستؤدي حكما الى ضرب السلم الاهلي .

فهل يعني هذا ان على اللبنانيين الاستسلام واطلاق يد ايران واذرعتها في لبنان؟ اليس الاستسلام الذي كان الحريري جزءا منه هو ما اوصل لبنان الى هنا، وهل المطلوب مواصلة الاستسلام حتى تغيير هوية لبنان نهائيا وجذريا؟ وبعد ، في 20 تشرين الاول من العام 2004 استودع رفيق الحريري لبنان اللبنانيين فحصلت تطورات درامتيكية توجت باغتياله وبشطبه من الحياة السياسية.

اليوم وبعد ثمانية عشر عاما على رسالة والده ينتحر سعد الحريري سياسيا ويشطب نفسه بنفسه من المعادلة . افلا يعني هذا اننا على ابواب تطورات درامتيكة تعيد خلط الاوراق على الساحة اللبنانية من جديد؟ اعان الله اللبنانيين ، وحمى لبنان!.