في الشكل، انها جلسة الصوت الضائع، بل الصوت المهدور عن سابق تصور وتصميم. الرئيس نبيه بري استخدم كل الطرق والاساليب التي يملكها لهدر صوت نائب. الهدر الفاقع، الفاضح، حصل امام اعين جميع اللبنانيين، وعلى مرأى من وسائل الاعلام المحلية والعالمية. وعندما شعر بري ان الامور تكاد تفلت من يديه، وعندما خاف من صوت الحقيقة والمنطق، طلب وقف البث التلفزيوني من القاعة العامة. فهل مجلس النواب مؤسسة دستورية تحتكم للقانون وللدستور، ام انها مؤسسة فردية تابعة لشخص يسيرها وفق رغباته واهوائه؟ وهل مسموح ان يهدر صوت في استحقاق انتخابي مصيري كاستحقاق رئاسة الجمهورية؟
فيا حضرة الرئيس بري: صحيح ان احتساب صوت لا يغير في نتيجة الانتخابات، لكن عدم احتسابه سابقة خطرة لم تحصل في تاريخ الديمقراطيات. لذا كان عليك اما ان تعيد العد او تعيد الانتخاب. لكنك، كالعادة، فضلت ان تسير الامور وفق ما تريد، لا وفق ما ينص عليه القانون وما يمليه الدستور. فهل مجلس النواب، الذي تتولى رئاسته منذ اكثر من ثلاثين عاما، مؤتمن على حسن تطبيق القوانين ام على خرقها؟ وهل انت كرئيس مجلس لجميع اللبنانيين، ام انك فقط في خدمة حزب معين وفريق سياسي محدد ؟
في المضمون، الجلسة كانت اكثر من تاريخية. فللمرة الاولى منذ السابع من ايار الاسود ينتفض اللبنانيون على الامرالواقع . وللمرة الاولى يقول نواب الامة ” لا ” بالخط العريض لحزب الله ولفريق الممانعة. فالاصوات الستون التي نالها جهاد ازعورهي ستون “لا” للاستقواء على الاخر، وستون “لا” للسلاح غير الشرعي، ستون “لا” لصيف وشتاء تحت سقف وطن واحد، وستون “لا” للدويلة. والستون صوتا هذه مرشحة للزيادة، ويمكن ان تصبح اكثر من خمسة وسبعين صوتا.
في المقابل فان الواحد وخمسين صوتا التي نالها سليمان فرنجية لا يمكن ان تزيد صوتا واحدا، علما انها ثمرة جهد طويل بذله حزب الله وفريق الممانعة تحت عنواني: الترغيب والترهيب.
ولأن حزب الله وفريق الممانعة يدركان الواقع البرلماني جيدا، فان نوابهما اطاحوا بالنصاب ومنعوا الدورة الثانية ان تحصل، وبالتالي حرموا اللبنانيين ان يكون لهم اليوم رئيس جديد للجمهورية.
لكن هروب فريق الممانعة وحزب الله من الاستحقاق الانتخابي لا يلغي الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، وهي ان ستين في المئة من اللبنانيين كسروا اليوم حاجز التردد والخوف، وقالوا “لا” للحزب وسلاحه ومرشحه، ومشوا اول خطوة على طريق استعادة القرار الحر، على طريق استعادة الدولة من براثن الدويلة ومن وراءها !